كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

يوقع على الإيصال، ومعظمهم ببصمة إبهامه على السجل. وكلما بلغنا مجموعة من الأكواخ، انبرى لنا مكانها يحملون الماء في الأوعية والسطول. وكانوا أول ما يسعفون الجنود المرضى، المحمولين على البغال. فيصبون الماء على أعناقهم. ويقدمون لهم الأكواب ليشربوا. وكان كل شيء يسير سيره الطبيعي، من غير ضجة ولا ضوضاء. ثم وصلنا في ساعة متأخرة من الليل إلى مقر القيادة، وكان عبارة عن كوخ غير مكتمل البناء، يقع في سفح الجبل، وأخذنا في الاستعداد للنوم، حيث رقد بجانبي أحد الضباط، وأخذ يحدثني بصوت خافت على الحد بين الحرب والإرهاب:
إننا نحصل على الطعام وغير الطعام من السكان. ونحن نمضي النهار في الأكواخ، إنه شعبنا ونحن جيشه، بل إخوته وأولاده أغلب الأحيان. ولكن هل يصح هذا ليكون ذريعة للغارات الجوية والقصف المدفعي والمذابح التي يقوم بها الفرنسيون؟ وهل هذا ما يسميه الفرنسيون (التهدئة)؟ وصمت. وطال الصمت. ورحنا في نوم عميق.
...
قال لي ضابط وهو يقدم لي مجموعة أوراق مكتوبة على الآلة الكاتبة: (هذا هو الإنذار الأخير)! ثم استمر في تقليب عدد من المغلفات كانت موضوعة فوق محفظة. وكانت تلك الأوراق عبارة عن رسالة موجهة إلى موظف عربي في مدينة صغيرة تبعد بضعة عشر كيلومترا عن الكوخ الذي كنا نطلب فيه مأوى لنا من حرارة الشمس. وكانت الرسالة تدعو الأخ المواطن بعبارات أنيقة، وبأسلوب فيه لف ودوران أن يدير ظهره إلى الفرنسيين ويغادر مركزه حيث يعمل

الصفحة 33