كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
زعمت النصارى، ولا كما زعمت اليهود، وأبلغ منه قوله: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} 1 الآية، خص المسيح وأمه من أهل الأرض، لأنهما اتخذا إلهين، فخصا لنفي هذا الشرك، ولم يكن تنقصا لهما. وقال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} 2 الآية.
فتخصيصه تنبيه على من دونهم، ومن هذا قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" 3 فتخصيصه لتحقيق العموم، وكذلك قوله: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} 4 الآية، فذكر الملائكة تنبيها على أن هذه الدعوى لا تجوز لأحد من الخلق، ولو قدر وقوعه من ملك لكان جزاؤه جهنم، فكيف بغيره؟ وهذا التحقيق إفراد لله بالإلهية، ومنه قوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5. والأنبياء معصومون ولكن المقصود بيان أن الشرك لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله، فكيف بغيره؟ وكذلك قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 6، خوطب بذلك أفضل الخلق لبيان عظم هذا الذنب، لا لغض قدر المخاطب، كقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} 7 الآيات، وقوله: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 8.
__________
1 سورة المائدة آية: 17.
2 سورة آل عمران آية: 80.
3 البخاري: المرضى (5673) والرقاق (6463) , ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2816) , وأحمد (2/235 ,2/264 ,2/451 ,2/482 ,2/488 ,2/503 ,2/514 ,2/537) .
4 سورة الأنبياء آية: 29.
5 سورة الأنعام آية: 88.
6 سورة الزمر آية: 65.
7 سورة الحاقة آية: 44.
8 سورة الشورى آية: 24.
الصفحة 101
209