كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
وفي الحديث: "إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم" 1، فهذا في بيان عدل الرب وإحسانه، وتقصير الخلق عن واجب حقه من الملائكة والأنبياء.
(108) وقال في الكلام على قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} 2
الآيتين: لما ذكر أن من السلف من ذكر أنهم من الملائكة، ومنهم من ذكر معهم الإنس، ومنهم من ذكر أنهم من الجن، يذكرون جنس المراد به الآية على التمثيل، كما يقول الترجماني لمن سأله عن الخبز فيريه رغيفا، والآية هنا قصد بها التعميم لكل ما يدعى من دون الله. فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية، كما تناول من دعا الملائكة والجن. ومعلوم أن هؤلاء يكونون وسائط فيما يقدره الله بأفعالهم، ومع هذا فقد نهى عن دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، لا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع، أو من حال إلى حال، كتغيير صفته أو قدره، ولهذا قال: {وَلا تَحْوِيلاً} فذكر نكرة تعم أنواع التحويل. وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 3، كان أحدهم إذا نزل بواد يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فقالت الجن: الأنس تستعيذ بنا، فازدادوا رهقا، وقد نص الأئمة كأحمد وغيره على أنه لا تجوز الاستعاذة بمخلوق، وهذا مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
__________
1 أبو داود: السنة (4699) , وابن ماجه: المقدمة (77) , وأحمد (5/182 ,5/185 ,5/189) .
2 سورة الإسراء آية: 56.
3 سورة الجن آية: 6.
الصفحة 102
209