كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
أنه استعاذ بكلمات الله، وأمر بذلك، فإذا كان لا يجوز ذلك فأن لا يجوز أن يقال: أنت خير مستعاذ يستعاذ به أولى. فالاستعاذة والاستجارة والاستغاثة كلها من نوع الدعاء والطلب، وهي ألفاظ متقاربة، ولما كانت الكعبة بيت الله الذي يدعى ويذكر عنده، فإنه سبحانه يستجار به هناك، وقد يستمسك بأستار الكعبة كما يتعلق المتعلق بأذيال من يستجير به، كما قال عمر وابن سعيد: إن الحرم لا يعيذ عصيا، ولا فارا بدم، ولا فارا بخربة. وفي الصحيح "يعوذ عائذ بهذا البيت " 1 والمقصود أن كثيرًا من الضالين يستغيثون بمن يحسنون به الظن، ولا يتصور أن يقضي لهم أكثر مطالبهم، كما أن ما تخبر به الشياطين من الأمور الغائبة لا يصدقون في أكثر بل يصدقون في واحدة، ويكذبون في أضعافها، ويقضون لهم حاجة واحدة ويمنعونهم أضعافها، ويكون فيما أخبروا به وأعانوا عليه إفساد حال الرجال في الدين والدنيا، ويكون فيه شبهة للمشركين كما يخبر الكاهن ونحوه. والله سبحانه جعل الرسول مبلغا لأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده، وهؤلاء يجعلون الرسل والمشايخ يدبرون العالم بقضاء الحاجات، وكشف الكربات، وليس هذا من دين المسلمين، بل النصارى تقول هذا في المسيح وحده شبهة الاتحاد والحلول، ولهذا لم يقولوه في إبراهيم وموسى وغيرهم مع أنهم في غاية الجهل في ذلك، فإن الآيات التي بعث بها موسى أعظم، ولو كان هذا ممكنا لم يكن للمسيح خاصية به بل موسى أحق، ولهذا كنت أتنزل مع علماء النصارى إلى أن أطالبهم بالفرق بين المسيح وغيره من جهة الإلهية، فلا يجدون فرقا، بل أبين لهم أن ما جاء به موسى من الآيات أعظم، فإن كان حجة في دعوى الإلهية فموسى أحق، وأما ولادته من غير أب فهو يدل على قدرة الخالق لا على أن المخلوق أفضل من غيره.
__________
1 مسلم: الفتن وأشراط الساعة (2882) .
الصفحة 103
209