كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
وسلم وتعليمه له أنه لا يستشفع بالله على خلقه على كل تقدير، طلب منه ما لا يقدر عليه، وطلب منه ما لا يطلب إلا من الله، ولا يقدر عليه إلا الله، وطلب منه ما هو أعظم استخفافا بالله، وانتقاصا له من طلب شفاعة الله إلى عبده فإنه ممكن، لكن طلب من الله ما فيه سؤال لغيره، وهو سبحانه قادر عليه بلا سؤال وهو غني عن المخلوقات، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم ذلك حتى رؤي ذلك في وجوه أصحابه. فإذا كان لا يجوز أن يطلب من الله أن يسأل غيره إذ هو قادر على فعل الغير بلا سؤال، فكيف إذا كان المطلوب فعل نفسه؟ فلم يطلب فعل نفسه منه، بل طلبه من بعض عباده، وليس عندهم إلا الشفاعة، وهم لا يشفعون إلا من بعد إذنه، فتبين أن ليس لهم من الأمر شيء.
(112) كونه صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ليس معناه أنه يسأل الله بهم
أو يقسم بهم عليه، بل يستنصر بدعائهم، كما قال لسعد: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم، بصلاتهم ودعواتهم وإخلاصهم"1. وأما استغاثة الجمل به ليجيره من ظلم أهله، فهو طلب منه أن يشكيه، فأشكاه بمنعهم من أذاه. وأما استغاثة الصحابة في القحط به، فاستغاثوا به ليدعو لهم، كما يستغيث به الناس يوم القيامة ليدعو لهم. والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل أو التدليس ما ينفق عند أهل البدع الذين لم يرثوا علومهم من أنوار النبوة، كالفلاسفة الذين يكونون أكثر الخائضين في العلم ضلالا وافتراقا، وليس هذا شأن ما ورث عن الأنبياء إلا أن يدخل فيه الكذب والتحريف، والدين محفوظ بحفظ الله له، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2. ولما
__________
1 البخاري: الجهاد والسير (2896) , والنسائي: الجهاد (3178) , وأحمد (1/173) .
2 سورة الحجر آية: 9.
الصفحة 108
209