كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

سببا للنجاة والسعادة. فمشاهدة التوحيد تفتح باب الخير، والاستغفار يغلق باب الشر، والرجاء لا تعلق بمخلوق ولا بقوة العبد ولا علمه، فإن ذلك شرك، ولهذا يذكر الأسباب ويأمر بأن لا يعتمد عليها، ولهذا قال: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّه} 1. فمن جعل مع الله إلها آخر، قعد مذموما مخذولا، والقائل لا إله إلا الله بلسانه، فقولها مخلصا من قلبه له حقيقة أخرى، وبحسب تحقيقها تكمل الطاعة، كما قال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} 2 الآيتين، فمن جعل ما يألهه هو ما يهواه فقد اتخذ إلهه هواه، ولهذا قال الخليل {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} 3 بين أنه يغيب عن عابده، فلا يعلم حاله. وكلما حقق العبد الإخلاص في قول لا إله إلا الله خرج من قلبه تأله ما يهواه، ويصرف عنه المعاصي، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} 4 الآية. وفي الصحيح: "من قالها مخلصا من قلبه حرمه الله على النار " 5 فمن دخلها لم يحقق إخلاصها المحرم له على النار، والشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، ولهذا أمر أن يقول في كل صلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 6. والشيطان يأمر بالشرك، والنفس تطيعه، فلا تزال تلتفت إلى غير الله، إما خوفا، وإما رجاء، فلا يزال مفتقرا إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك. وفي الحديث يقول الشيطان: "أهلكت الناس بالذنوب فأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون
__________
1 سورة آل عمران آية: 126.
2 سورة آية: 23.
3 سورة الأنعام آية: 76.
4 سورة يوسف آية: 24.
5 البخاري: العلم (128) , ومسلم: الإيمان (32) .
6 سورة الفاتحة آية: 5.

الصفحة 114