كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

ولا يستغفرون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". فالذي اتبع هواه بغير هدى من الله له نصيب ممن اتخذ إلهه هواه، فصار فيه شرك منعه من الاستعاذة. وأما من حقق التوحيد والاستغفار فلا بد أن يرفع عنه الشر؛ وفي الصحيح قوله في صلاته: "اللهم اغفر لي ما قدمت - إلى قوله لا إله إلا أنت" فهنا قدم الدعاء، وختمه بالتوحيد، لأنه أفضل الأمرين، بخلاف ما لم يقصد فيه هذا، فإن تقديم التوحيد أفضل. وأهل التوحيد هم الذين لم يعبدوا إلا إياه، ولم يتوكلوا إلا عليه. وقول المكروب: لا إله إلا أنت، قد يستحضر في ذلك أحد النوعين، فإن همته منصرفة لدفع ضره أي لا يكشف الضر غيرك، مع إعراضه عن توحيد الإلهية؛ فإن استحضره في ذلك كان عابدا لله، متوكلا عليه، محققا {إياك نعبد وإياك نستعين} . فإذا سبق إلى القلب قصد السؤال ناسب السؤال باسم الرب، وإن سبق قصد العبادة فاسم الله أولى؛ وكذلك إذا بدأ بالثناء، ولهذا قال يونس عليه السلام: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} إلخ، وقال آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} ؛ فإن يونس ذهب مغاضبا فكان ذلك المناسب، أي: هو الذي يستحق العبادة دون غيره، ولا يطاع الهوى فإن ذلك يضعف الإخلاص. وهذا يتضمن براءة ما سوى الله من الإلهية، سواء قدر ذلك هوى النفس أو طاعة الخلق، أو غير ذلك، والعبد يقول ذلك فيما يظنه، وهو غير مطابق، وما يريده وهو غير حسن. وآدم لم يكن عنده من منازعة الإرادة ما يزاحم الإلهية، بل ظن صدق الشيطان فكانا محتاجين إلى أن يريهما ربوبيته تكمل علمهما وقصدهما حتى لا يفترا. ويونس كمل تحقيق الإلهية ومحو الهوى الذي يتخذ إلها. وأيضا مثل هذه الحال تعرض لمن تعرض له فيبقى فيه نوع معارضة للقدر، ومعارضة له سبحانه في خلقه، وأمره ووساوس في حكمته ورحمته، فيحتاج إلى أن يتقي الآراء الفاسدة

الصفحة 115