كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
مع الإصرار على آخر، وهذا هو المعروف عن السلف والخلف.
والثاني: أن من تاب من بعض فإن التوبة إنما تقتضي مغفرة ما تاب منه.
والثالث: أن الإنسان قد يستحضر ذنوبا فيتوب منها، وقد يتوب توبة مطلقة. فإن كانت نية التوبة العامة فهي تتناول كل ما رآه ذنبا إلا أن يعارض هذا معارض، مثل أن يكون بعضها لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته، أو اعتقاد أنه حسن. وأما التوبة العامة وهي أن يتوب توبة مجملة، ولا تلتزم التوبة من كل ذنب، فهذا لا يوجب دخول كل فرد، ولا يمنع دخوله كاللفظ المطلق؛ والناس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامة مع حاجتهم إلى ذلك، وأنها واجبة على كل عبد في كل حال.
وقوله: ما السبب في أن الفرج يأتي عند انقطاع الرجاء عن الخلق؟ وما الحيلة في صرف القلب عنه؟ فسببه تحقيق توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية، فالأول لا خالق إلا الله، والراجي لمخلوق طالب بقلبه لما يريده منه وهو عاجز، وهذا من الشرك الذي لا يغفر، فمن كمال نعمته وإحسانه إلى المؤمنين أن يمنع حصول مطالبهم بالشرك حتى يصرف قلوبهم إلى التوحيد. ثم إن وحده العبد توحيد الإلهية حصلت له سعادة الدنيا والآخرة، وإن كان ممن قيل فيه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} الآية، فإن ما حصل له من وحدانيته حجة عليه، كما احتج سبحانه على المشركين بذلك في غير موضع. فمن تمام نعمة الله على المؤمنين أن ينزل بهم من الضر ما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين، فيحصل لهم من التوكل والإنابة وذوق طعم الإيمان والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة من زوال الضر؛ فإن ذلك نعم دنيوية قد يحصل للكافر منها أعظم مما للمؤمن، وأما ما يحصل للمخلصين فأعظم من أن يعبر عن كنهه مقال، أو يستحضر تفصيله بال. ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه؛ فالذي يحصل لأهل
الصفحة 117
209