كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

العظمة الموجبة براءته من الظلم؛ فالظالم يظلم لحاجته، أو لجهله، والله غني عن كل شيء، عليم بكل شيء، وهذا كمال العظمة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" 1، هاتان الكلمتان إحداهما مقرونة بالتحميد، والأخرى بالتعظيم، فقرن بين الحمد والتعظيم، كما قرن بين الجلال والإكرام، إذ ليس كل معظم محمودا محبوبا، ولا كل محبوب محمودا معظما، والعبادة تتضمن كمال الحب المتضمن معنى الحمد، وكمال الذل المتضمن معنى التعظيم، ففيها إجلاله وإكرامه، وهو سبحانه المستحق للجلال والإكرام.
ومن الناس من يحسب الجلال الصفات السلبية والإكرام الصفات الثبوتية، والتحقيق أن كليهما صفات ثبوتية، وإثبات الكمال يستلزم نفي النقائص، لكن ذكر نوعي الثبوت وهو ما يستحق أن يحب، وما يستحق أن يعظم كقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وكذلك قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} فقرن التسبيح بالتحميد والتهليل بالتكبير كما في الأذان. ثم إنَّ كل واحد من النوعين يتضمن الآخر إذا أفرد، فإن التسبيح والتحميد يتضمن التعظيم، ويتضمن إثبات ما يحمد عليه، وذاك يستلزم الإلهية؛ فإنها تتضمن كونه محبوبا، بل تتضمن أنه لا يستحق كمال الواجب إلا هو. والحمد هو الإخبار عن المحمود بالصفات التي يستحق أن يحب، فالإلهية تتضمن كمال الحمد، ولهذا كان الحمد مفتاح الخطاب، وسبحان الله فيها إثبات عظمته، ولهذا قال:
__________
1 البخاري: الأيمان والنذور (6682) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2694) , والترمذي: الدعوات (3467) , وابن ماجه: الأدب (3806) , وأحمد (2/232) .

الصفحة 120