كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

{الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْأِنْسَان َعَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 1، وقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 2، وقال: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 3. والبيان بيان القلب واللسان، كما أن العمى والبكم يكون بالقلب واللسان، كما قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} ، وقال صلى الله عليه وسلم: "فإنما شفاء العي السؤال " 4. وفي الأثر: "العي عن القلب لا عن اللسان" وقال: "شر العمى عمى القلب".
وكان ابن مسعود يقول: "إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه، وسيأتي عليكم زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه". وأما بيان اللسان وخطابه فيحمد منه البلاغ ويذم منه (التشدق والتفيهق) 5 وتبين الأشياء بالقلب ضد اشتباهها عليه، كقوله: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات"، وقرئ {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} 6 بالرفع والنصب أي: تستبين أنت سبيلهم، فالأشياء لتستبين الأشياء، وهم يقولون بيّن الشيء، وبينته وتبين وتبينته، واستبان، واستبنته، كل هذا يستعمل لازما ومتعديا، فقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 7 هنا متعد، وقوله: {فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فهنا لازم، فالبيان بمعنى تبيين الشيء، وبمعنى بينت الشيء، أي: أوضحته، وهذا هو الغالب، كقوله: "إن من البيان لسحرا" 8
__________
1 سورة الرحمن آية: 1-2-3-4.
2 سورة البقرة آية: 31.
3 سورة العلق آية: 5.
4 أبو داود: الطهارة (336) .
5 قال في الحاشية: في الأصل بياض لعله "التشدق والتفيهق".
6 سورة الأنعام آية: 55.
7 سورة الحجرات آية: 6.
8 البخاري: النكاح (5146) , والترمذي: البر والصلة (2028) , وأبو داود: الأدب (5007) , وأحمد (2/16 ,2/59 ,2/62 ,2/94) , ومالك: الجامع (1850) .

الصفحة 184