كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)
إلى الموت، فلم تقبل توبتهم عند الموت لأنه لا يمكن الرجوع عن السيئات، فينقص أو يذهب، فقوله ازدادوا كقوله: استمروا. ونظيرها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} 1 الآية. فهنا قال: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} 2، وهناك قال: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} فإنه لو تاب من ردته قبلت توبته، فإذا ارتد ثانية حبط الإيمان الذي غفر به ذلك الكفر، فبقى عليه إثم الكفر الأول والثاني، فازداد كفرا وأصر إلى الموت لم يغفر له. وذكر في أولها الذي ازداد كفرا بعد الكفر الأول، فذكر الكفر المفرد، والمكرر بينهما ازدياد. ولما قال هناك {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} عند الموت ففيه تنبيه على أن الثاني لا يغفر بطريق الأولى، ولما ذكر في الثاني أنهم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا كان مفهومه أنهم لو تابوا قبل الازدياد قبلت توبتهم وإن كرروا، فدل على أن قوله في الأول: (ازدادوا) أراد به الإصرار، وإلا لكان من كفر وأقام مدة ثم تاب لم تقبل، وهو خلاف قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} الآية، وخلاف مفهوم آية التكرير. فإن قيل: ازدياده أن يأتي بما يغلظ ردته كابن أبي سرح وابن خطل، قيل هذا من مسائل الاجتهاد، والكلام فيه في غير هذا الموضع، وابن آدم لم يكن ندمه ندم توبة، وثمود قيل إنهم موعودون بالعذاب إذا عقروها، وعذاب الدنيا لا يندفع بمثل هذه التوبة، فإن أصحاب العجل توبتهم بقتل أنفسهم، وهم لم يتوبوا إلا خوفا من عذاب الدنيا، أو يقال توبتهم من جنس توبة آل فرعون إذا رفع عنهم العذاب نكثوا، فقوله نادمين لا يدل على توبة صادقة ثابتة، وقوله: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} الآيات، لم يذكر توبة بل اعترافا بالظلم. والكفار
__________
1 سورة النساء آية: 137.
2 سورة النساء آية: 137.
الصفحة 61
209