كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

بتوحيد الربوبية، وأطالوا الكلام في تقرير هذا الموضع، إما بدليل أن الاشتراك يوجب نقص القدرة، واستقلال كل من الفاعلين بالفعل محال، وإما بغير ذلك، ولم يعلموا أن مشركي العرب مقرون بهذا التوحيد، وهذا من التوحيد الواجب، لكن لا يخلص من الشرك الذي هو أكبر الكبائر، بل لا بد أن يخلص لله الدين فيكون دينه لله. والإله هو المألوه، وكونه يستحق ذلك مستلزما لصفات الكمال؛ فلا يستحق أن يكون معبودا محبوبا لذاته إلا هو، فكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل؛ وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1. وقد بينا أن هذه الآية لم يقصد بها دليل التمانع، فإنه يمنع وجود المفعول لإفساده بعد وجوده. ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية، والفناء فيه هو النهاية، فآل بهم إلى تعطيل الأمر والنهي، ولم يفرقوا بين الكلمات الكونية التي لا يجاوزها بر ولا فاجر، وبين الكلمات الدينية التي اختص بها من عبده وأطاعه. ثم إن أولئك الذين أدخلوا فيه نفي الصفات، وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر إذا حققوا القولين أفضى بهم إلى الوحدة والاتحاد والحلول. ومن أحكم الأصلين في الصفات وفي الخلق والأمر، فميز بين المأمور وغيره مع شمول الخلق لهما، وأثبت الصفات الموجبة لمباينة المخلوقات، أثبت توحيد الرسل، كما نبه عليه في سورتي الإخلاص؛ فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 فيها التوحيد العلمي الذي يدل على الأسماء والصفات؛ فيتميز
__________
1 سورة الأنبياء آية: 22.
2 سورة الإخلاص آية: 1.

الصفحة 80