كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

لما خاف أن يفرض، أو جمع القرآن لما زال المانع وهو أن الوحي لا يزال ينْزل، ويغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو جمع في مصحف لتعذر أو تعسر تغييره كل وقت، فلما استقرت الشريعة، وأمن من زيادة الإيجاب والتحريم، والمقتضى للعمل قائم بسنته، فعمل المسلمون بمقتضى سنته، وصار كنفي عمر أهل الكتاب من الجزيرة، وكذلك قوله: "خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا كان عوضا عن دين أحدكم فلا تأخذوه"، فلما صار الأمراء يعطونه لمن أعانهم على الهوى كان الامتناع منه اتباعا للسنة، وإن كان محدثا، وكذلك قتال مانعي الزكاة. ومن فهم هذا المعنى انحل عنه كثير من شبه البدع، فإنه قد روي عنه صلى لله عليه وسلم: "ما أحدث قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها" 1. وقد أشرت إلى هذا فيما تقدم، وبينت أن الشرائع أحد أغذية القلوب، فمتى اغتذت بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن. وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات من أخذ أموال لا تجوز، وعقوبات لا تجوز، لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعوه موضعه لإقامة دين الله، وأقاموا الحدود على القريب والبعيد، لما احتاجوا إلى المكوس، والعقوبات الجائرة، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين، كما كان الخلفاء وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم. وكذلك العلماء إذا أقاموا كتاب الله وفهموا ما فيه وأقاموا الحكمة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجدوا في ذلك ما يحيط بعلمه الناس، ولميزوا بين المحق والمبطل بوصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة، ولاسْتغنوا عما أحدث المبتدعون من الحجج التي يزعمون أنهم ينصرون بها أصل الدين، وعن الرأي الفاسد الذي يزعم القياسيون أنهم يتممون به فروع الدين.
__________
1 الدارمي: المقدمة (98) .

الصفحة 85