كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

(96) أكثر الناس لا يدرك فساد البدع
إذا كانت من جنس العبادات، أو من جنس الأعياد، بل أولو الألباب يدركون بعض ما فيها من الفساد؛ والواجب اتباع ما أنزل الله وإن لم تدرك الحكمة. فمن أحدث عملا في يوم كصوم أول خميس من رجب، أو صلاة أول ليلة جمعة منه، وما يتبعه من إحداث زينة، وتوسيع في نفقة، فلا بد أن يتبع هذا اعتقاد في القلب أن العمل في ذلك له مزية، ولولاه لما انبعث القلب إلى ذلك؛ فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع، وهذا المعنى قد شهد له الشرع بالاعتبار في هذا الحكم، فهو من المعاني المناسبة المؤثرة، فإن مجرد المناسبة مع الاقتران يدل على العلة عند من يقول بالمناسب الغريب، وهم كثير من الفقهاء؛ ومن لا يقول إلا بالمؤثر يكتفي بمجرد المناسبة حتى يدل الشرع أن مثل ذلك الوصف مؤثر في هذا الحكم، وهو قول كثير منهم، وهؤلاء إذا رأوا الحكم المنصوص فيه معنى قد أثر في مثل ذلك الحكم في موضع آخر عللوا المنصوص به. وقال كثير منهم إن الحكم المنصوص لا يعلل إلا بوصف دل الشرع على أنه معلل به. وتلخيص الفرق أنا إذا رأينا الشارع دل على العلة كقوله: "إنها من الطوافين" إلخ، فهذه يعمل بموجبها باتفاق الطوائف الثلاثة؛ فلو قال: لا ألبس هذا الثوب الذي تمن علي به، حنث بما كانت منته مثله، وهو ثمنه. وأما إذا رأينا الشارع قد حكم بحكم لم يعلله لكن علل نظيره أو نوعه، مثل أنه جوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر بلا إذنها، وقد رأيناه جوز له الاستيلاء على مالِها لكونها صغيرة، فهل علة ولاية النكاح الصغر؟ أم قد تكون أخرى وهي البكارة مثلا، فهذه هي المؤثرة أي: قد بين تأثيرها في حكم، وسكت عنه في آخر نظيره، فالفريقان الأولان يقولان بها، وهو في الحقيقة إثبات لها

الصفحة 86