كتاب مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام بن تيمية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر)

بالقياس. والفريق الثالث لا يقول بها إلا بدلالة خاصة لجواز أن يكون النوع الواحد له علل مختلفة، ومنه نهيه عن البيع على بيع أخيه، وسومه على سومه، فيعلل بفساد ذات البين كما علل به في قوله: "لا تنكح المرأة على عمتها" 1. وأما إذا رأيناه حكم بحكم فيه وصف مناسب لم يذكره، ولا علل به نظيره، فهذا الوصف المناسب الغريب، فجوز اتباعه الفريق الأول خاصة، وهو إدراك لعلة الشارع بالعقل، والذي قبله بالقياس، والأول بكلامه. ومع هذا فقد تعلم علة الحكم المعين بالسبر وبدلالات أخرى، فإذا تبين هذا، فمسألتنا من باب العلة المنصوصة في موضع، المؤثرة في موضع آخر، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص أوقات بصلاة أو صيام، وأباح ذلك على غير التخصيص كقيام ليلة الجمعة وصيام نهارها وتقدم رمضان، فوجه الدلالة أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص. ومن قال إذًا أخصها بلا اعتقاد، فلا بد أن يكون الباعث إما موافقة غيره، وإما اتباع العادة، وإما خوف اللوم، فهذا العمل مستلزم إما لاعتقاد هو ضلال، أو عمل دين لغير الله. ثم الاعتقاد يتبعه تعظيم في القلب ولو خواطر متقابلة، فمن حيث اعتقاد أنه بدعة يقتضي عدم التعظيم، ومن شعوره بما روي فيه أو فعل بعض الناس له، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته، فعلمت أن فعل البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل ما جاؤوا به، وأنها تورث في القلب نفاقا ولو كان خفيفا، مثل من عظم أبا جهل، وابن أبي لرياسته أو إحسانه، فإذا ذمه الرسول أو أمر بإهانته، فمن لم يخلص إيمانه وإلا بقي في قلبه منازعة؛ ولهذا قيل: البدع مشتقة من الكفر. ومنها أن البدع تنقص الرغبة في السنن فيفعلها كأنها عادة ووظيفة، فيفوت ما فيها من المغفرة والرحمة والخشوع،
__________
1 البخاري: النكاح (5108) , والنسائي: النكاح (3297 ,3298 ,3299) , وأحمد (3/338 ,3/382) .

الصفحة 87