كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 123 """"""
وتدخل إليكم الرجال ، والله لأقتلنكم أجمعين . وتكرر هذا القول منه فأعملت ست الملك الحيلة في إعدامه ، وخرجت ليلاً إلى دار الأمير سيف الدين حسن بن دواس ، فدخلت عليه واختلت به وعرفته بنفسها أنها ابنة العزيز أخت الحاكم ، فعظمها ، وبالغ في إكرامها ، فقالت له : إنك قد علمت ما فعل أخي وما صدر منه من سفك الدماء وقتل الأولياء ووجوه الدولة بغير سبب ، وقد عزم على قتلك وقتلي . فقال لها : فكيف الحيلة في أمره ، فأشارت : أن تجهز إليه رجالاً يقتلونه إذا خرج إلى حلوان فإنه ينفرد بنفسه هناك ، ووعدته أن يكون هو المدبر لدولة ولده والوزير لها ، فاتفقا على ذلك وتحالفا عليه ، ورجعت هي إلى قصرها .
فلما ركب الحاكم وانفرد عند وصوله المقطم على عادته ، كان ابن دواس قد احضر عشرة من العبيد ، وأعطى كل واحد منهم خمسمائة دينار ، وحلفهم ، وعرفهم كيف يقتلونه ، فسبقوه إلى الجبل في تلك الليلة ؛ فلما انفرد خرجوا إليه وقتلوه بالمكان الذي ذكرناه ، وخرج الموكب لتلقيه على العادة ، فطال انتظارهم له فلم يرجع ، فعادوا ؛ ثم خرجوا ثانياً وقصوا الأثر ، فوجد حماره وثيابه ، كما ذكرناه ، فعادوا إلى القصر وطلبوه من أخته ست الملك وقالوا إن مولانا ما جرت عادته بهذا ، فقالت لهم : إن رقعته قد وصلت إلينا أنه يأتي بكرة الغد ، فتفرقوا . فبعثت الأموال إلى وجوه الدولة والقواد على يد ابن دواس ، وبقي الأمر مستمراً والحال متماسكاً إلى عاشر ذي الحجة من السنة ، فجرى بين العساكر وبين ست الملك كلام كثير أوجب أنها أخرجت إليهم ولده أبا الحسن علياً في يوم الأضحى فبايعه الناس ، على ما نذكر إن شاء الله تعالى في أخباره ، هذا ما حكي في سبب إعدامه .
وأما سيرته وأفعاله وأخباره فقد قدمنا منها على حكم السنين ما قدمناه ، فلنذكر خلاف ذلك .

الصفحة 123