كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
قال المؤرخ : كان الحاكم سيئ الإعتقاد ، كثير التنقل من حال إلى حال . كان في ابتداء أمره يلبس الثياب الفاخرة والمذهبة ، والعمائم المنظومة بالجوهر النفيس ، ويركب السروج المحلاة ، ثم ترك ذلك على تدريج أن يتنقل منه إلى لباس المعلم غير المذهب ، ثم لباس الساذج ، ثم زاد به الأمر حتى لبس الصوف والشواشي وركب الحمير ، وأظهر الزهد ، وكثر استطلاعه على أخبار الناس ، فلم يخف عليه خبر رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيته وكان يأخذ بيسير الذنوب ، ولا يملك نفسه عند الغضب ، أفنى خلقاً كثيراً ، وأقام هيبة عظيمة ، وكان مع طغيانه المستمر وفتكه ، وسفكه للدماء ، وظلمه ، يركب وحده تارة وفي الموكب أخرى ، وفي المدينة طوراً وفي البرية آونة ، والناس كافة على غاية الهيبة له والخوف منه ، وهو بينهم كالأسد الضاري .
ثم عن له أن يدعي الإلهية ، ويصرح بالحلول والتناسخ ، ويحمل الناس عليه ، وألزم الناس أن يسجدوا له مدة إذا ذكر ، فلم يذكر في محفل أو غيره إلا سجد من سمع بذكره ، وقبل الأرض إجلالاً له 59 ثم لم يرضه ذلك .
فلما كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة ظهر رجل يقال له حسن ابن حيدرة الفرغاني الأخرم يرى حلول الإله في الحاكم ويدعو إلى ذلك ، ويتكلم في إبطال النبوة ، ويتأول جميع ما وردت به الشريعة ، فاستدعاه الحاكم وقد كثر تبعه ، وخلع عليه خلعاً سنية ، وحمله على فرس بسرجه ولجامه ، وركبه في موكبه وذلك في ثاني شهر رمضان منها . فبينما هو يسير في الموكب في بعض الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ وهو على جسر طريق المقس فألقاه عن فرسه ، ووالى الضرب عليه حتى قتله وارتج الموكب ، وأمسك الكرخي فأمر الحاكم بقتله ، فقتل لوقته ، ونهب الناس دار الأخرم في القاهرة . وكان بين الخلع عليه وقتله ثمانية أيام ، ثم ظهر رجل من دعاته في سنة عشر وأربعمائة يقال له حمزة اللباد ، أعجمي من الزوزن ، ولازم الجلوس في المسجد الذي عند سقاية ريدان خارج باب النصر ، وأظهر الدعاء إلى عبادة الحاكم وأن الإله حل فيه ، واجتمع الناس إليه جماعة من غلاة الإسماعيلية ، وتلقب بهادي المستجيبين . وكان الحاكم إذا ركب إلى تلك الجهة خرج إليه من المسجد وانفرد به وحادثه ، وتمادى على