كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
الزوزني فلم يجدوه ، وأظهر الحاكم الغضب على كافة الجند طول شهر ربيع الأول ، ثم رضي عنهم في الرابع من شعر ربيع الآخر .
وتحقق الحاكم أن أول من جرأ عليه العسكر وحملهم على قتل دعاته أهل مصر ، فأمهلهم حتى دخل جمادى الآخر ، ثم ابتدأ في التدبير عليهم .
فأول ما عمل أن سلط عليهم الرجالة ومقدمي السودان وغيرهم ، وقرر معهم أن ينزلوا إلى مصر على هيئة المناسر ، فيكسبون الحمامات ومنازل أهل مصر ، فكانوا يفعلون ذلك نهاراً . وتكرر ذلك منهم ، فاجتمع الناس ووقفوا للحاكم وسألوه أين يكف عنهم أيديهم ، فما أجابهم بجواب فتزايد بهم الضرر إلى أن بقيت الرجالة تكبس مساكنهم ويأخذون ما فيها ، ويعرونهم في الطرقات ، ويفتحون دكاكين البزازين وغيرهم ، وينهبون ما فيها ويحرقون أبوابها بعد ذلك ، والناس يستغيثون فلا يغاثون ، ثم نزل بعد ذلك جمع كثير من بعد أن غلقت الدروب ، وكانت بقيت تغلق من النحاسين والأبزاريين والسكريين ودار الشمع ، وغير ذلك مما تقرب من هذه الأسواق ، وأخذوا ما أرادوا منها ، وأفسدوا بقية ما فيها ، فكانوا يخلطون العقاقير والأصناف بعضها ببعض ، والمياه المختلفة بالزيت ، ويفسدون ما لا يمكنهم حمله ، وطرحوا النار في أبواب القياسر المجاورة للجامع بعد ذلك ، فأخذ الناس في الانتقال إلى القاهرة ، وضجوا بالابتهال إلى الله تعالى في كشف ما بهم من البلاء . قال : وكان الحاكم قبل ذلك قد ضيق على النصارى واليهود كما 60 قدمناه ، وأمرهم بالتظاهر بالإسلام ، فأسلم بعضهم وهرب بعضهم إلى بلاد الروم ، وهدم جميع الكنائس ، فلما كان في شهر جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وأربعمائة ، أذن لهم بالرجوع إلى دينهم ، فارتدوا ، وأذن لهم ببناء الكنائس فأعادوها ، فاشتد غضب العسكر وحنقهم ، فاجتمع الأتراك والكتاميون وتحالفوا على قتل الرجالة الذين فعلوا بالمصريين ما فعلوا ، فوقع اقتتال بينهم ، فقتل الرجالة أبرح قتل ، ورأى أهل مصر فيهم وفي حرمهم ومنازلهم