كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 277 """"""
الجليلة لكان قليلاً فسرّى عنه .
127
ذكر فتح شقيف ارنوم
وفي شهر ربيع الأول سنة خمسين وثمانين وخمسمائة سار السلطان إلى شقيف ارنوم ، وهو من أمنع الحصون ، ليحصره ، ونزل بمرج عيون فنزل صاحب الشقيف وهو أرناط صاحب صيدا ، إلى السلطان ؛ وكان من أكثر الناس دهاء ومكراً ، فقال : أنا محب لك ولدولتك ، ومعترف بإحسانك ، وأخاف أن يطلع المركيس على بيني وبينك فينال الأذى أولادي وأهلي منه أذى ، فإنهم عنده بصور ؛ وأحب أن تمهلني حتى أتوصل إلى تخليصهم من عندهن وحينئذ أحضر أنا وهم إلى عندك ونسلم الحصن إليك ، ونكون في خدمتك ، نقنع بما تعطينا من الإقطاع ، فأجابه السلطان إلى ذلك وظن صدقه ، واستقر الأمر بينهما أن يسلم الشقيف في جمادى الآخرة .
وأقام السلطان بمرج عيون ينتظر الأجل وهو قلق مفكر انقضاء الهدنة بينه وبين صاحب إنطاكية فأمر تقي الدين ابن أخيه أن يسير فيمن معه من عساكر ومن يأتيه من بلاد الشرق ويكون مقابل إنطاكية لئلا يغير صاحبها على ما يجاوره من بلاد الإسلام عند انقضاء الأجل .
وكان السلطان أيضاً منزعج الخاطر لما بلغه من اجتماع الفرنج بصور وما يصل إليهم منه الإمداد ، وأنهم اجتمعوا في خلق كثير وخرجوا من مدينة صور إلى ظاهرها ، فخاف أن يترك الشقيف وراء ظهره ، وكان أرناط في هذه المدة يشتري الأقوات من سوق العسكر ، والسلاح ، وغير ذلك مما يحصن به شقيفه ، فيبلغ السلطان فلا ينكره بحسن ظنه ، وكان قصد أرناط إلى أن يظهر الفرنج من صور ، فلما قرب الأجل تقدم السلطان إلى الشقيف ، واستدعى أرناط وقد بقي من الأجل ثلاثة أيام فجاءه ، فتحدث معه في تسليم الحصن ، فاعتذر بأولاده وأهله وأن المركيس لم يمكنهم من المجيء إليه ، وطلب المهلة مدة أخرى ، فحينئذ تحقق السلطان من مكره وخداعه ، فأخذه وحبسه وأرخ بتسليم الشقف فطلب قسيسا وحمله رسالة سراً ، وأظهر أنه أمر بتسليمه ، فامتنع من بالحصن من تسليمه : فسير أرناط إلى دمشق وسجنه ،

الصفحة 277