كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 279 """"""
ذكر مسير الفرنج إلى عكا ومحاصرتها
قال المؤرخ : لما كثر جمع الفرنج بصور ، على ما ذكرناه من أن السلطان كان لكما فتح حصناً أو مدينة بالأمان سار أهلها إلى صور بأموالهم وأهلهم ، اجتمع بها منهم عالم كثير لا يحصون ، وأموال كثيرة ، ثم أن الرهبان والقسوس لبسوا السواد وأظهروا الحزن على خروج بيت المقدس منهم ، وتابعهم جماعة من المشهورين ، فأخذهم البطرك ودخل بهم إلى بلاد الفرنج يطوفها بهم ويستنجدون أهلها ويستجيرون بهم ، ويحثونهم على الأخذ بثأر البيت المقدس وصوروا صورة المسيح عليه السلام وصورة رجل أعرابي والعربي يضربه بين جماعة ، وقالوا : هذا المسيح يضربه محمد نبي المسلمين ، وقد جرحه وقتله .
فعظم ذلك على الفرنج وحشدوا ، حتى النساء فإنهم كان معهم على عكا عدة من النساء يبارزن الأقران ، ومن لم يستطع أن يخرج استأجر عنه أو يعطيهم مالاً ، فاجتمع لهم من الرجال والأموال ما لا يحصى كثرة .
واجتمعوا بصور والبحر يمدهم بالأموال والأقوات والعدد والذخائر ، فضاقت عليهم مدينة صور ، باطنها وظاهرها ، فأرادوا قصد صيدا ، فكان من ردهم ما ذكرناه .
فاتفقوا على قصد عكا ومحاصرتها ؛ فساروا إليها بفارسهم وراجلهم ، ولزموا البجر في مسيرهم ، لا يفارقونه في السهل والوعر ، ومراكبهم تسايرهم وفيها السلاح والذخائر . فكان رحليهم من مدينة صور في ثاني شهر رجب سنة خمس وثمانين وخمسمائة ، ونزولهم على عكا في منتصف الشهر ، فتخطف المسلمون منهم في مسيرهم واخذوا من انفرد .
وجاء الخبر إلى السلطان برحيلهم ، فسار حتى قاربهم . ثم نزلوا على عكا قبل وصوله إليها ، ونازلوها من سائر جهاتها براً وبحراً فلم يبق للمسلمين إليها طريق . ونزل السلطان عليهم وضرب خيمته على تل كيسان وامتدت ميمنته إلى تل العياضية

الصفحة 279