كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 280 """"""
وميسرته إلى النهر الجاري ، ونزلت الأثقال بصفورية ، وسير الكتب إلى الأطراف يستدعي العساكر ، فأتاه عسكر الموصل ، وديار بكر ، وسنجار ، وغيرها من بلاد الجزيرة ، وأتاه تقي الدين ابن أخيه ، ومظفر الدين بن زين الدين صاحب حران والرها ، فكانت الأمداد تأتي المسلمين في البر وتأتي الفرنج من البحر .
وكان بين الفريقين مدة مقامهم على عكا حروب كثيرة .
نحن نذكر المشهور منها على سبيل الاختصار ؛ وأما الحروب التي تكون بين بعض هؤلاء وبعض هؤلاء والمناوشات ، فلو شرحناها لطال بها الكتاب لأن مدة الحصار كانت ثلاث سنين وشهراً .
وكان ابتداء القتال في مستهل شعبان من السنة ، فقاتلهم السلطان في ذلك اليوم ولم يبلغ منهم غرضاً ، ثم باكرهم القتال واستدار عليهم من سائر جهاتهم إلى أن انتصف النهار ، وصبر الفريقان أعظم صبر ، فحمل تقي الدين من الميمنة على من يليه منهم وأزاحهم عن مواقفهم ، فركب بعضهم بعضاَ لا يلوي الأخ على أخيه ، والتجأوا إلى من يليهم من أصحابهم . وانكشف نصف البلد ، وملك تقي الدين مكانهم ، ودخل المسلمون البلد وخرجوا منه ، واتصلت الطريق وزال الحصار . وأدخل السلطان إلى البلد 129 من أراد من الرجال ، وما أراد من الذخائر ، والأموال ، والسلاح ، فكان من جملة من أمره السلطان بالدخول إليها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء السمين ، وقتل من الفرنج في هذا اليوم خلق كثير .
ثم كانت بينهم وقعات في ثامن شعبان ، وتاسعه ، وعاشره ، وحادي عشره ، ثم كانت وقعة في تاسع عشر شعبان بين أهل عكا والعدو فقتل من في الطائفتين وجرح .
ثم كانت الوقعة الكبرى في الحادي والعشرين من شعبان وذلك أن الفرنج اجتمعوا وتشاوروا ، وقالوا أن العسكر المصري إلى الآن ما قدم وهذا فعل السلطان ، فكيف إذا قدمت عساكره فاجمعوا رأيهم على مناجزة الحرب ، وكانت عساكر السلطان متفرقة : منها طائفة في مقابلة إنطاكية تمنع صاحبها من الإغارة على الأعمال الحلبية ، وطائفة أخرى على حمص في مقابلة طرابلس ، وطائفة أخرى تقاتل من بقي في صور ، وطائفة بالديار المصرية لحماية ثغرى الإسكندرية ودمياط ، ومن بقي من العسكر المصري إلى الآن لم يصل ؛ وهذا ما أطمع الفرنج في الظهور . قال : وأصبح المسلمون في هذا اليوم على عادتهم ، فمنهم من يتقدم إلى القتال

الصفحة 280