كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 281 """"""
ومنهم من هو في خيمته ، ومنه من قد توجه في حاجته ، فخرج الفرنج من معسكرهم كالجراد المنتشر قد ملأوا الأرض ، فكانت وقعة عظيمة ابتداؤها المسلمين ، ثم أنزل الله نصره عليهم ، فهزموا الفرنج أقبح هزيمة ، وقتل من رؤسائهم عشرة آلاف ، وقتل من المسلمين في هذه الموقعة من الغلمان ومن لم يعرف مائة وخمسون ومن المعروفين : الأمير مجلى بن مروان والظهير أخو الفقيه عيسى الهكاري ، وكان والي البيت المقدس ، جمع العلم والدين والشجاعة ، والحاجب خليل الهكاري وجمال الدين بن رواحة الحموي ، ولم يكن بالمصاف ، وأسر من الفرنج مقدم الداوية وكان السلطان قد أسره فيما تقدم وأطلقه ، فقتله الآن .
قال : وأمر السلطان بجمع القتلى وإلقائهم في النهر الذي يشرب منه الإفرنج .
قال العماد الأصفهاني رحمه الله : ومن العجب أن الذي ثبتوا في هذه الوقعة لم يبلغوا ألفاً وردوا مائة ألف ، وآتاهم الله قوة بعد ضعف .
قال ابن الأثير : وأخذ من جملة الأسرى ثلاث نسوة فرنجيات كن يقاتلن على الخيل ، فلما أسرن وألقي عنهن السلاح عرفن .
ذكر رحيل السلطان عن منزلته وتمكن الفرنج من حصار عكا
كان رحيله في رابع شهر رمضان من السنة ، وسبب ذلك أنه لما قتل من الفرنج هذه المقتلة العظيمة جافت الأرض منهم وتغير الهواء ، وحدث للأمزجة فساد ، وحصل للسلطان مرض القولنج ، وكان يعتريه ، فأشار عليه الأمراء والأطباء بالانتقال ، وقالوا لو أراد الفرنج أن ينصرفوا لما قدروا فإنا ضيقنا عليهم ، والرأي أن ينتقل عن هذه المنزلة ، فإن رحلوا فقد كفينا شرهم ، وإن أقاموا عدنا للقتال ، فوافقهم . وكان بئس الرأي .
ورحل السلطان إلى منزلة الخروبة ، وكتب أهل عكا يعلمهم بسبب رحيله ويحثهم على حفظ البلد وغلق أبوابها .
قال : ولما رحل السلطان بعساكره عن تلك المنزلة أمن الفرنج وانبسطوا ، وانبثوا ، وعادوا على حصار عكا في البر والبحر ، وشرعوا في حفر خندق عليهم يكون بينهم

الصفحة 281