كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 284 """"""
ليمنعهم ، فعجز عن ذلك ، فعاد إلى قونية وأرسلوا له هدية وطلبوا منه أن يأذن للرعية في بيع الأقوات عليهم فأذن بذلك .
وطلبوا من الملك قطب الدين أن يأمر رعيته بالكف عنهم وأن يجهز معهم جماعة من أمرائه رهائن ، فخافهم ، وسلم إليهم نيفاً وعشرين أميراً كان يكرههم ، فساروا بهم معهم ، ولم يمتنع اللصوص وغيرهم من أذاهم ؛ فقبض ملك الألمان على من معه من الأمراء وقيدهم ، فمنهم من مات في أسره ومنهم من فدى نفسه .
قال ابن شداد : وأعوزهم الزاد وعراهم جوع عظيم . وعجزوا عن حمل أقمشتهم ، فجمعوا عددا كثيراً وسلاحاً 131 وجعلوا ذلك بيدراَ وأضرموا فيه النار ، لعجزهم عن حمله ، ولئلا ينتفع به غيرهم .
قال : وبقيت بعد ذلك رابية من حديد .
قال ابن الأثير : ثم سار إلى أن أتى إلى بلاد الأرمن ، وصاحبها يومئذ لافون بن اصطفانه بن ليوم الأرمني ، فأمدهم بالأقوات والعلوفات ، وحكمهم في بلاده ، وأظهر الطاعة لهم ، ثم سار إلى إنطاكية ، وكان في طريقهم نهر فنزلوا عنده ، وعبر ملكهم إليه ليغتسل فيه ، فغرق في مكان لا يبلغ الماء وسط الرجل فيه . وكفى الله شره .
وقال ابن شداد : إنه لما وصل إلى طرسوس سبح في النهر فمرض من شدة برد الماء فمات ؛ ولما مات سلقوه في خل وجمعوا عظامه في كيس ليحملوها إلى القدس ويدفنوها به .
قال ابن الأثير : وكان معه ولد كبير فملك بعده وسار إلى إنطاكية ، فاختلف أصحابه عليه ؛ وأحب بعضهم العود إلى بلاده فتخلف عنه ، ومال بعضهم إلى تمليك أخ له فعاد أيضاً ، وسار هو فيمن بقي معه ، فعرضهم ، وكانوا نيفاً وأربعين ألفاً وقع فيهم الموت والوباء ، فوصلوا إلى إنطاكية وكأنهم نبشوا من القبور فتبرم صاحبها وحسن لهم المسير إلى عكا ، فساروا على اللاذقية وجبلة وغيرهما من البلاد التي ملكها

الصفحة 284