كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 287 """"""
بطشة ثانية وملأوها حطباً على أنها تدخل بين المراكب الإسلامية ثم يلهبونها فتحترق هي والبطش الإسلامية ، وجعلوا بطشة ثالثة جماعة من المقاتلة . وقدموا البطشة نحو البرج ، وكان الهواء مساعد لهم ، فلما أحرقوا البطشة والبرج الذي قصدوا بهما إحراق بطش المسلمين وبرج الذبان انعكس الهواء عليهم بإذن الله تعالى ، فاحترقت البطشتان ، وانقلبت الثالثة بمن فيها من المقاتلة . والله أعلم .
ذكر ما كان من أمر الفرنج بعد وصول ابن ملك الألمان إلى عكا وما اتخذوه من آلات الحصار
قال : ولما وصل ابن ملك الألمان القائم في الملك بعد أبيه إلى عكا كان وصوله إليها في سادس شهر رمضان سنة ست وثمانين وخمسمائة فكان أول ما بدأ به أنه خرج إلى إنطاكية يزكيه السلطان وقاتلهم فقتل من أصحابه وجرح خلق كثير ، وانكسروا ورجعوا إلى المخيم غروب الشمس من ذلك اليوم ؛ وقتل من المسلمين اثنان وجرح جماعة . فلما عاين ذلك رجع إلى قتال من في البلد ، واتخذ من آلات الحصار ما لم ير قبل ذلك مثله ، فكان مما أحدثه آلة عظيمة تسمى دبابة يدخل من تحتها المقاتلة وهي من الخشب الملبس بصفائح الحديد ، ولها من تحتها عجل يحرك من داخلها حتى تنطح السور بشدة عظيمة فتهدمه بتكرار نطحها ، وآلة أخرى وهي قبو فيه رجال تسحبه وفيه كبش ، ورأس تلك الآلة ممدة تشبه سكة المحراث ، ورأس الكبش مدور ، هذه يهدم بثقله ، وتلك تهدم بحدتها وثقلها ، وهي تسمى سفوداً ، وأعد الستائر والسلالم وغير ذلك ، وأعد في البحر بطشة عظيمة وصنع فيها برجاً بخرطوم إذا أرادوا قلبه على السور بحركة انقلب بحركات ويبقى طريقاً إلى المكان الذي ينقلب عليه تمشي عليه المقاتلة ، ونصب المجانيق وحكمها على السور ، وتوالت حجارتها حتى أثرت فيها أثراً بيناً فأخذ المسلمون سهمين عظيمين من سهام الجروح وأحرقوا نصالها حتى بقيا كالشعلة من النار ثم رميا في منجيق الفرنج فاحترق ، واتصل لهبه بالآخرة فأحرقه . ثم زحف العدو على البلد في شهر رمضان في خلق كثير ، فأمهلهم أهل البلد حتى سحبوا آلتهم المذكورة وقاربوا أن يلصقوها بالسور ويحصل منهم في الخندق جماعة كثيرة ، فأطلقوا عليه الجروخ والمجانيق والسهام والنيران ، وفتحوا الأبواب

الصفحة 287