كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 289 """"""
سبع وثمانين ، ونصبوا عليها سبعة مجانيق . وبلغ من مضايقتهم لها أنهم كانوا يلقون في خندقها ما يموت من دوابهم وما يؤيس منه ممن أثخنته الجراح . وانقسم أهل البلد أقساماً : قسم ينزلون إلى الخندق ويقطعون الدواب ليسهل نقلها ، وقسم ينقلون ذلك إلى البحر ، وقسم يذبون عنهم ، وقسم في المنجنيقات وحراسة الأسوار .
قال : وكانوا قد صنعوا دبابة عظيمة أربع طبقات ، الأولى من الخشب ، والثانية من الرصاص ، والثالثة من الحديد ، والرابعة النحاس ، فكانت تعلوا على السور وتركب فيها المقاتلة ، وقربوها من السور فكاد أهل البلد يطلبون الأمان ، فأعان الله على حرقها وكان في جمادى الأولى عدة وقعات .
قال : ولما حرقت دبابات الفرنج وكباشهم وأبرجتهم الخشب وستائرهم أقاموا أمام خيامهم مما يلي عكا تلاً مستطيلاً عالياً من التراب ، فكانوا يقفون وراءه ويحولونه ليقربوه من السور ، إلى أن صار بينه وبين السور مقدار نصف غلوة سهم . فلم تعمل فيه النار .
ذكر وصول ملك الإنكلتير
كان وصوله إلى عكا في ثالث عشر جمادى الأولى من السنة بعد أن ملك في ميسره قبرص عنوة ، ووصل في أربعين قطعة . ولما قدم توالى الزحف والقتال . ثم مرض مرضاً شديداً وجرح الإفرنسيس ، وهم مع ذلك لا يدعون القتال . هذا واللصوص يدخلون على الرجل من الفرنج وهو نائم فيوقظونه ، ويشيرون إليه بالسلاح : إن تكلمت ذبحناك ، ويحملونه ويخرجون به إلى عسكر المسلمين . فعلوا ذلك مراراً كثيرة .
قال : ثم ترددت الرسائل من الفرنج إلى السلطان مدافعة بسبب مرض الإنكلتير ، ثم استأذن في إهداء جوارح ، وقال إنها قد ضعفت وتغيرت من البحر ، وطلب أن يسر لها دجاجة وطير تأكله لتقوى به ثم يهدى للسلطان . ففهم السلطان أنه يحتاج ذلك لنفسه لأنه حديث عهد بمرض ، فسير إليه ذلك . ثم أرسل في طلب فاكهة وثلج ، فأرسل إليه وهم مع ذلك يحاصرون البلد أشد حصار .

الصفحة 289