كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 290 """"""
ذكر استيلاء الفرنج على عكا
قال : ثم اشتد الحصار في سابع جمادى الآخرة ، فركب السلطان بالعسكر وجرى قتال عظيم إلى الليل عاد إلى خيامه . ثم باكر القتال ، فوصلت مطالعة من بالبلد يذكرون أن العجز قد بلغ بهم الغاية ، وأنهم في الغد متى لم يعمل ما يمنع العدو طلبوا الأمان وسلموا البلد . فرأى السلطان مهاجمة العدو ، فلم يساعده العسكر . فضعفت نفوس أهل البلد ، وتمكن العدو من الخنادق فملكوها ، ونقبوا السور وأحرقوه ، فوقعت بدنة من الباشورة ودخل العدو إليها ، فقتل منها زهاء مائة وخمسين نفساً ، وكان منهم ستة من أكابر ، فقال أحدهم : لا تقتلوني حتى أرحِّل الفرنج عنكم . فقتل رجل من الأكراد وقتل الخمسة ، فناداهم الفرنج من الغد احفظوا الستة فإنا نطلقكم كلكم بهم . فقالوا : لقد قتلناهم . فقوي عزم الفرنج على عدم المصالحة وأنهم لا يطلقون من في البلد إلا بإطلاق جميع الأسرى الذين في أيدي المسلمين ، وتعاد إليهم البلاد الساحلية .
فصالحهم من بالبلد على أنهم يسلمون إليهم البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدد والمراكب ، ومائتي ألف دينار ، وألف وخمسمائة أسير مجاهيل الأحوال ، ومائة أسير معينين ، وصليب الصلبوت ، على أنهم يخرجون بأنفسهم ونسائهم وذراريهم ، وما معهم من أموالهم وأقمشتهم .
فكتبوا في ذلك إلى السلطان ، فأنكر هذا الأمر واستعظمه ، وعزم على أن يكتب بالإنكار على من بعكا . وجمع أمراءه وأصحاب المشورة ، فما شعر المسلمون إلا وقد ارتفعت أعلام الكفر وصلبانه على أسوار البلد ، وذلك ظهر نهار الجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة ، سنة سبع وثمانين وخمسمائة .
فعظمت المصيبة على المسلمين وتحيز المسلمون إلى بعض أطراف البلد . ثم ترددت الرسائل بينهما على تقرير القاعدة في خلاص من بعكا من المسلمين ، فاستقرت الحال على مائة ألف دينار وستمائة أسير وصليب الصلبوت . وأنفذوا ثقاتهم وعاينوا الصليب في ثامن عشر شهر رجب ، ثم طلبوا أن يسلم ذلك إليهم فإذا صار عندهم أطلقوا الأسرى ، فامتنع السلطان من ذلك إلا بعد تسليم الأسرى .
فلما رأوه قد امتنع منه أخرجوا خيامهم إلى ظاهر الخنادق في الحادي والعشرين من الشهر ، ثم ركبوا في وقت العصر في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب سنة

الصفحة 290