كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 294 """"""
وكان ابتداء مرضه يوم السبت سادس عشر صفر ، ونال المسلمون لوفاته من الألم ما لا يعبر عنه . ولما مات دفن بقلعة دمشق في منزله ، وما زال ابنه الأفضل يتروى في موضع ينقله غليه ، فشرع في بناء تربته عند مسجد القدم وبنى عندها مدرسة للشافعية . وأمر ببناء التربة في سنة تسعين وخمسمائة ، فاتفق وصول ابنه العزيز تلك السنة من الديار المصرية للحصار ، فخرب ما كان قد ارتفع من البناء . ثم أمر بعمارة القبة في حد جامع دمشق ، فعمرت ونُقل إليها يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، ومشى الأفضل أمام تابوته وأخرج من باب القلعة على دار الحديث إلى باب البريد ، وأدخل منه إلى الجامع ، وصلى عليه قدام باب السر ، صلى عليه القاضي محي الدين بن علي بإذن الأفضل . ثم حمل إلى لحده ، وألحده الأفضل وجلس في الجامع ثلاثة أيام .
وكان الملك الناصر رحمه الله كريماً جواداً شجاعاً ، حسن الأخلاق ، مضت أكثر أيامه في الجهاد في سبيل الله تعالى . قال ابن شداد : لما مات السلطان لم يخلف في خزائنه من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية وجراماً واحداً ذهباً صورياً ، ولم يخلف ملكاً في سائر أنواع الأملاك . وحسب ما وهبه من الخيل في مدة مقامه على عكا فكان تقديره اثني عشر ألف رأس ، ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود به ، وصاحبه يلازمه في طلبه ، وما حضر اللقاء إلا استعار فرساً فركبه . وكان لا يلبس إلا ما يحل كالكتان والقطن والصوف . وكان له ركعات يصليها من الليل .
وخلف رحمه الله من الأولاد ، على ما نقله العماد الأصفهاني وغيره سبعة عشر ولداً : الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي ، وهو أكبرهم ، والملك العزيز

الصفحة 294