كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 299 """"""
وتأخر الملك العزيز إلى الكسوة ثم إلى مرج الصفر ، ومرض به ثم أفاق . ولما عزم على العود إلى الديار المصرية خرج لوداعه سائر الملوك الذين حضروا لنصرة الأفضل ، ثم خرج إليه الأفضل في سابع شعبان وأدركه بنيق ، وهي أعلى الغور ، فأكرمه الملك العزيز ، وبالغ في احترامه وسأله الأفضل أن يرجع إلى دمشق ليزور قبر أبيه ، فأجاب إلى ذلك ، ثم أشار عليه أصحابه ألا يفعل ، فامتنع . وعاد الأفضل ، وسار العزيز إلى الديار المصرية فدخلها في أواخر شعبان .
وفي مستهل جماد سنة تسعين وخمسمائة هبت رياح عاصفة بالقاهرة من وقت العصر ، وسقط في ثالث الشهر بَرَدٌ كثير أكبره قدر البيض وأصغره قدر النبق ، وصار على جبل المقطم منه شيء كثير كالجبل الثاني ، ونقل الناس منه مدة أربعة أيام ، ثم سال حتى ملأ الخندق ، ودخل الماء من المرامي التي في السور إلى القاهرة ، وعلا ، حتى خيف على البلد .
ذكر خروج الملك العزيز لقصد الشام ثانياً ورجوعه وقصد العادل والأفضل الديار المصرية وما تقرر من القواعد
كان سبب ذلك أن الملك الأفضل قلد وزارة دمشق لضياء الدين ابن الأثير الجزري وحكمه في البلاد ، فقصد الأمراء بالأذى والاطراح ، وتشاغل الأفضل عنهم . ففارق خدمة الأفضل فارس الدين ميمون القصري وشمس الدين وسنقر الكبير وعز الدين سامة ، وغيرهم . وحضر بعض هؤلاء إلى الديار المصرية وانضموا إلى الملك العزيز ، وقالوا له : إن الأفضل مسلوب الاختيار ، وحرضوه على قصد دمشق ، فخرج إليها في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة .
فلما اتصل خبر خروجه بالأفضل ركب من دمشق في رابع جمادى الأولى وتوجه إلى عمه الملك العادل ، وهو بقلعة جعبر ، واستنجد به ، وسار إلى أخيه الملك الظاهر بحلب واستنجد به أيضاً ، فركب الملك العادل وجدّ في السير إلى دمشق خوفاً أن يسبقه العزيز إليها . وكاتب الملك العادل الأمراء الذين صحبة العزيز ، وكان العزيز قد نزل بمنزلة الفوار على مرحلتين من دمشق ، واستمالهم وحذرهم من العزيز ، فمالوا إليه ، واستمالوا أبا الهيجاء السمين ، وفارقوا العزيز وقصدوا دمشق ، وذلك في يوم الاثنين رابع شوال من السنة .

الصفحة 299