كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 303 """"""
عشر ألف دينار ، فتجاهر الناس بها وظهر الفساد وفشا في الناس ، واجتمع الرجال والنساء في شهر رمضان من غير استتار ، سيما في الخليج وساحل مصر ، ورتب ضمان الخمر في النفقة على طعام السلطان ، وهذه من البلايا التي لم يسمع بمثلها ، فإن عادة الملوك والأكابر أن يجتهدوا أن يكون مأكلهم من أجل الجهات كالجوالي وما يناسبها . وبسبب إطلاق الخمور كثر القتل بالقاهرة والجراحات ، وخطف العمائم والأمتعة والمآكل من الأسواق . قال المؤرخ : وغلت الأسعار في هذه السنة بالديار المصرية ، واشتد الأمر على الناس ، وكثر الوباء ، وبلغ القمح كل أردب بدينارين ، وأظن الدينار ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم ، وهذا كان نهاية الغلاء في ذلك العصر .
ولقد وصف الفاضل من عظم ما حل بالناس غلو السعر أمراً عظيماً فكيف لو أدرك الفاضل الديار المصرية في سنة خمس وتسعين وستمائة وقد أبيع القمح سعر الإردب ثلاثة عشر ديناراً ونصف دينار وأبيع الفروج بخمسين درهماً ، ورطل البطيخ الأخضر بأربعة دراهم ، والسفرجل بثلاثين درهماً .
قال المؤرخ : وفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة كانت وفاة الشيخ السيد الشريف عبد الرحيم ، قدس الله روحه ونور ضريحه ، بقنا من أعمال قوص ودفن بجبانتها ، وضريحه معروف هناك من أعظم مزارات أهل الصلاح بالدنيا .
ومما نقل من كلامه ، قدس الله روحه ، وقد سمع المؤذن يقول : أشهد أن لا إله غلا الله ، فقال الشيخ شهدنا بما شاهدنا . ومن كلامه : لا يستطيع العارف أن يوصل إلى من لا يعرف حقيقة ما عرف ، كما لا يستطيع البصير أن يوصل إلى الأكمه حقيقة الألوان . وعرض هذا الكلام على الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ، رحمه الله ونفع به ، فقال هذا كلام من غرق في الحقيقة .

الصفحة 303