كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 308 """"""
إلى دمشق ، فأوصى ولده الملك الكامل بمحاصرتها . وفارقها العادل لخمس بقين من شهر رجب ، ووصل إلى دمشق في يوم الاثنين حادي عشر شعبان ، وأخذ في تحصين البلد . ووصلت العساكر المصرية في يوم الخميس ، ورتب الأطلاب وسار الملك المنصور بن الملك العزيز في القلب وزحف على البلد فأخذ قصر حجاج والشاغور . وكان العادل لما شاهد إقبال العساكر أمر بإحراق قصر حجاج ، فأحرق ، واحترق فيه عدة مساجد وأطفال . وأحاطت العساكر المصرية بدمشق ، ودخلها جماعة منهم من باب السلامة ، وانتهوا إلى السوق الكبير ، وحرجوا من باب الفراديس . وقدم الأفضل الميدان الأخضر ثم تأخر إلى ميدان الحصى ، واستقر بهذه المنزلة بهذه المنزلة أكثر من ستة أشهر .
وكاتب الملك العادل جماعة من الأمراء المصريين ، ففارقوه ودخلوا إلى دمشق فأكرمهم .
ثم وصل الملك الظاهر صاحب حلب ومعه أخواه الظافر والمعز وجاءهم الملك المجاهد صاحب حمص ، وعسكر حماة دون سلطانها ، وحسام الدين بشارة صاحب حمص بانياس ، وكان من أكابر الدولة ، فأشار بالصلح .
قال : ولما حاصر الملك الأفضل دمشق منع من يدخل إليها بشيء من الميرة ، وقطع عنها الأنهار ، فاشتد الأمر على أهل دمشق واستغاثت الرعايا على العادل ، وتسلطوا عليه ، وحملوه على تسليم البلد . وانتقل أكثر من البلد إلى العسكر ، ونصبوا به أخصاصاً ومساكن ، وأقيمت الأسواق به .
فلما اشتد الأمر على العادل كتب إلى الظاهر يستميله وقال : أنا أسلم البلد إليك دون غيرك ، فنمي الخبر إلى الأفضل ، فاضطرب رأيهما ، وقيل بل كتب إليهما يقول : أنا اسلم البلد إليكما بعد سبعة أشهر فأجاباه إلى ذلك . وقيل إنه كان يكتب إلى الأفضل يقول الظاهر قد صالحني ، وإلى الظاهر بمثل ذلك .
واتفق في فساد حال الأفضل أن جماعة الأمراء كان بأيديهم إقطاعيات بالديار المصرية جليلة المقدار ، فحسدهم آخرون عليها ، فكانوا يأتون إلى الملك الأفضل ويقولون : إن فلاناً قد عزم على قصد عمك العادل والانضمام إليه ، ويأتون لذلك الأمير فيقولون : إن الأفضل قد عزم القبض عليك ، ويأتي ذلك الأمير إلى الأفضل

الصفحة 308