كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
وكان بمصر في هذه السنة غلاء شديد وفناء عظيم ، فإن النيل انتهت زيادته في سنة ست وخمسين وثلاثمائة إلى اثني عشر ذراعاً وتسعة عشر إصبعاً ، ولم يوف في السنة التي قبلها ، فاشتد الغلاء ، وكثر الوباء .
نقل بعض المؤرخين أنه أحصى من كفن ودفن خارجاً ، عدا من رمي في البحر ، ستمائة ألف إنسان .
وفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة قدم الحسن بن عبيد الله من الشام منهزماً من القرامطة ، ودخل مصر ، وقبض على جعفر بن الفرات الوزير ، واستوزر الحسن بن جابر الرياحي ، ثم أطلق الوزير بن الفرات ، بواسطة أبي جعفر مسلم الحسيني الشريف ، وفوض إليه الوزارة ، ثم سار الحسن بن عبيد الله إلى الشام في مستهل شهر ربيع الآخر ، وخرج جماعة من الأولياء والكتاب والأشراف إلى الشام ، وخرج يعقوب بن كلس إلى الغرب مستتراً ، ثم صار منه ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ثم تواترت الأخبار في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة أن المعز صاحب إفريقية ، قد جهز عساكره مع غلامه جوهر إلى مصر ، فجمع الوزير القواد ووقع رأيهم على تقديم نحرير سويران فاستدعوه من الأشمونين وعقدوا له الرئاسة .
ووصل الخبر بوصول جوهر إلى برقة ، فاجتمع رأي الجماعة أن بعثوا الشريف أبا جعفر مسلماً الحسني وأبا إسماعيل بن أحمد الزيني وأبا الطيب العباس والقاضي أبا الظاهر ، وغيرهم ، لتقرير الصلح بينهم وبين جوهر على تسليم البلاد له ، فساروا في يوم الاثنين لأثني عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فلقوه على تروجة ، فأكرمهم وأجابهم إلى ما طلبوه ثم بعد انفصالهم اجتمع القواد على إبطال المصالحة وتجهزوا للحرب ، ورجع أولئك النفر بكتاب الأمان ، فلم يقبل القواد ذلك ، فخرجوا إلى الجيزة بأجمعهم . ووصل جوهر وابتدأ القتال يوم الخميس الحادي عشر من شعبان من السنة ، ثم