كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 4 """"""
فعاوده ، فلم يطعه ، فسار إليه . ودلوه على عورة أنطاكية فنصب عليها المناجيق ، وملك البلد عنوة ، وقاتله سيما الطويل حتى قتل ، فساء أحمد قتله لأنه كان نصيحه قديماً ؛ وكان ذلك في المحرم سنة خمسين وستين ومائتين . ورحل عن إنطاكية إلى طرسوس ، فدخلها في جمع عظيم ، وعزم على المقام بها وملازمة الغزو ، فغلا السعر وطاقت بعساكره ، فركب أهلها إليه بالمخيم وقالوا له : لقد ضيقت علينا بلدنا وغليت أسعارنا ، فإما أقمت في عدد يسير وإما رحلت عنا ، وأغلظوا عليه في القول وشغبوا عليه ، فقال لأصحابه أن ينهزموا عن الطرسوسيين ويرتحلوا عن البلد ، ليظهر للعدو أن ابن طولون على كثرة عساكره لم يقو لأهل طرسوس ، وأنه انهزم عنهم ، لتقع مهابتهم في قلوب العدو .
وعاد إلى الشام ، فأتاه خبر ولده العباس أنه عصي عليه في مصر وأخذ الأموال وسار إلى برقة ، فلم يكترث أحمد لذلك ، وقضى أشغاله ، وحفظ أطراف بلاده ، وبعث إلى حران أحمد بن جيغويه في جيش كثيف ، ونزل غلامه لؤلؤ بالرقة ، في جيش كثيف ، وكانت حران لمحمد أتامش ، فأخرجه أحمد بن جيغويه عنها ، وهزمه هزيمة قبيحة ، فاتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش ، وكان شجاعاً بطلاً ، فجمع عسكراً كثيراً ، وسار بهم إلى نحو حران ، فاتصل ذلك بابن طولون ، فأهمه وأقلقه وأزعجه ، فنظر إليه رجل من الأعراب يقال له أبو الأغر ، فقال له : أيها الأمير أراك مفكراً منذ أتاك خبر ابن أتامش ، وما هذا محله ، فإنه طائش قلق ، ولو شاء الأمير أتيته به أسيراً ، فغاظه قوله ، وقال : لقد شئت أن تأتيني به أسيراً فقال الأعرابي فاضمم إلى عشرين أختارهم قال : افعل ، فانتقاهم أبو الأغر ، وسار بهم .

الصفحة 4