كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 41 """"""
أعناقهم ، فتفرق بقية أصحابه في البلاد ، فصار قوم ممن كان على مذهبه إلى نواحي خراسان ، وقوم إلى الهند ، وصار أبو شاكر ميمون بن سعيد إلى البيت المقدس مع جماعة من أصحابه ، وأخذوا في تعلم الشعوذة والنارنجيات والحيل ومعرفة الرزق من صنعة النجوم والكيمياء ، ويحتالون على كل قوم بما يتفق عندهم ، وعلى العامة بإظهار الزهد والورع ، ونشأ لأبي شاكر ابن يقال له عبد الله القداح ، علمه الحيل واطلعه على أسرار هذه النحلة ، فتحذق وتقدم ، وكان يظهرون التشيع والبكاء على أهل البيت ويزيدون أكاذيب اخترعوها ، يخدعون بها ضعفاء العقول .
وكان من كبار الشعوبية رجل اسمه محمد بن الحسين بن جهار نجار الملقب دندان وهو بنواحي الكرج ، وأصفهان له حال واسعة وضياع عظيمة ، وهو المتولي على تلك المواضع ، وكان يبغض العرب ويذمهم ، ويجمع معايبهم ، وكان كل من طمع في نواله تقرب إليه بذم العرب ، فسمع به عبد الله بن ميمون القداح وما ينتحله من بغض العرب وصنعة النجوم ، فسار إليه ، وكان عبد الله يتعاطى الطب وعلاج العين ، ويقدح الماء النازل فيها ، ويظهر أنه إنما يفعل ذلك حبسة وتقرباً إلى الله عز وجل ، فطار له هذا الاسم بنواحي أصفهان والجبل ، فأحضره دندان وفاتحه الحديث ، فوجده كما يحب ويهوى ، وأظهر له عبد الله من مساوئ العرب والطعن عليهم أكثر مما عنده ، فاشتد إعجابه به ، وقال له : مثلك لا ينبغي أن يطب ، وإن قدرك يرتفع ويجل عن ذلك ، فقال : إنما جعلت هذه ذريعة لما وراء مما ألقيه إلى الناس وإلى من أسكن إليه على رفق ومهل ، من الطعن على الإسلام ، وأنا أشير عليك ألا تظهر ما في نفسك إلى العرب ، ومن يتعصب لهذا الدين ، فإن هذا الدين قد غلب على الأديان كلها فما يطيقه ملوك الروم ، ولا الترك ، والفرس ، والهند ، مع بأسهم ونجدتهم ، وقد علمت شدة بابك الخرمية وكثرة عساكره ، وأنه لما أظهر ما في نفسه من بغض الإسلام وترك

الصفحة 41