كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
والله ، فسكت عنه الداعي . فقال له محمد ابن الفضل : ما قلت هذا القول إلا وأنت عارف به ، فألح عليه وقال له : الله الله في أمري ، اجمع بيني وبينه ، فإني خرجت إلى الحج وجئت إلى هذه الديار أريد الله ، فسكت الداعي وازدادت رغبة أبو الفضل ، فصار يتضرع إليه ، ويسأله ، ويقبل يده ، فقال له الداعي : اصبر ، ولا تعجل ، وأقم ، فهذا الأمر لا يتم بسرعة ، ولا بد له من صبر ومهلة ، فقال ابن الفضل لأصحابه ومن كان معه من جيشان : انصرفوا فلي بالكوفة شغل ، فانصرفوا ، وأقام هو واجتمع بالداعي : فقال له : ما عملت في حاجتي ؟ فقال انتظرني حتى أعود إليك ، فانصرف عنه ومضى إلى أحمد بن القداح وعرفه حال ابن الفضل وحرصه إلى إلقاء الحجة وإمام الزمان ، وبقي الداعي يرقبه ويراه لا يكاد يبرح المسجد من غير أن يعلم ابن الفضل به ، فلما كان أربعين يوماً أتاه إلى المسجد وهو جالس فقال له : أنت بعدها هنا ؟ فقال : نعم ؛ ولو لا تخشى لأقمت في هذا المسجد إلى أن أموت . فعلم الداعي أنه قد قصده ، فأخذه وجمع بينه وبين أحمد بن عبد الله بن ميمون .
وحكى الشريف أبو الحسين في كتابه الذي صرح فيه فنفى هؤلاء عن النسب إلى الحسين بن علي ، رضي الله عنهما ، واستدل على ذلك بأدلة يطول شرحها - أن أحمد بن عبد الله بن ميمون لما قام بالأمر بعد أبيه عبد الله بعث الحسين الأهوازي من سلمية داعية العراق ، فلما انتهى إلى سواد الكوفة لقي حمدان بن الأشعث ، وهو قرمط الذي ينسب إليه القرامطة ، فصحبه ، وأتبعه قرمط ، وتابعه كثير من الناس . فلما مات الأهوازي أسند الأمر من بعده إلى حمدان بن الأشعث ، قرمط ، وقد ذكرنا هذه القصة في أخبار القرامطة . نرجع إلى قول ابن شداد ، قال : وكان أحمد يقول للحسن بن حوشب الكوفي النجار : يا أبا القاسم هل لك في غربة الله ؟ فيقول الأمر إليك يا مولاي ، فلما اجتمع بابن الفضل قال له : قد جاء ما كنت تريد يا أبا القاسم ، هذا رجل من أهل اليمن ، وهو عظيم الشأن ، كثير المال ، ومن الشيعة ، قد أمكنك ما تريد ، وثم خلق من الشيعة ، فاخرج وعرفهم أنك رسول المهدي ، وأنه في هذا الزمان يظهر في اليمن ، واجمع المال ، والرجال ، والزم الصلاة والصوم والتقشف ، واعمل بالظاهر ولا تظهر الباطن ، وقل لكل شيء باطن ، وإن ورد عليك شيء لا تعلمه فقل لهذا من يعلمه ، وليس هذا وقت ذكره ، وجمع بينه وبين ابن الفضل ، وخرجا جميعاً إلى ارض اليمن .

الصفحة 44