كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
ونزل ابن حوشب بعدن ، وكان فيها قوم من الشيعة يعرفون ببني موسى ، وخبرهم عند ابن ميمون ، فنزل ابن حوشب بالقرب منهم ، وأخذ في بيع ما معه من القماش ، ولزم التقشف والزهد ، فقصده بني موسى وقالوا له : فيم جئت ؟ قال : للتجارة : قالوا : لست بتاجر ، وإنما أنت رسول المهدي ، وقد بلغنا خبرك . وعرفوه بأنفسهم ، فأظهر أمره عليهم ، وسار إلى عدن لاعة ، وسار ابن الفضل إلى بلده ، ولما وصل ابن حوشب إلى عدن لاعة قوى عزائمهم وقرب أمر المهدي عليهم ، وأنه من عندهم يخرج ، وأمرهم بالاستكثار من الخيل والسلاح .
ولم يزل أمر بن حوشب يقوى وأخباره ترد على من بالكوفة من الإمامية وطبقات الشيعة ، فيبادرون إليه ، ويقول بعضهم لبعض : دار الهجرة ، فكبر عددهم واشتد بأسهم ، وأغار على من جاوره ونهب وسبى ، وجبى الأموال ، وأنفذ إلى من بالكوفة من ولد عبد الله القداح أموالاً عظيمة ، وهدايا وطرفاً ، وكذلك لابن الفضل .
وكانوا نفذوا إلى المغرب رجلين ، أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان ، وتقدموا إليهما بالوصول إلى أقاصي المغرب ، والبعد عن المدن والمنابر ، وقالوا لها ينزل كل واحد منكما بعيداً عن الآخر ، وقولا : لكل شيء باطن ، ونحن فقد قيل لنا اذهبا فالمغرب أرض بور فاحرثاها وأكرباها حتى يأتي صاحب البذر ، فنزل أحدهما بأرض كتامة بمدينة مرمجنه ، والآخر سوق حمار ، فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما ، وصارا يحملان التحف التي تحمل إليها إلى ابن القداح ، ثم ماتا على قرب بينهما بعد أن أقاما سنين كثيرة .
فقال ابن حوشب لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن زكريا الشيعي ، وكان قد هاجر إليه ، يا أبا عبد الله أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا ، وليس لها غيرك ، فبادر إليها فإنها موطأة ممهدة لك ، فخرج أبو عبد الله وأخرج ابن حوشب معه عبد الله بن أبي ملاحف ، وأمده بمال ، وأوصاه بما يعمل وكيف يحتال .

الصفحة 45