كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
بقصده ولا رغبته في بلادهم ، فلما أتوا مصر أظهر أنه يريد الإقامة بها ، فتألموا لفراقه ، وقالوا ما الذي تقصد بمقامك في مصر ؟ قال : التعليم ، فسألوه أن يصحبهم إلى بلادهم وأنهم يوجبون له على أنفسهم أجرة كل سنة ، وما أوجب . ولم يجبهم إجابة كلية ؛ ورغبتهم كل يوم تزيد فيه ، فأجابهم إلى الخروج معهم ، ففرحوا بذلك واستبشروا ، وجعلوا يزيدون في بره ، ويقولون له : عندنا كثير من إخوانك ومن يذهب إلى مذهبك ، ولو رأوك ما رضوك إلا شيوخهم ، فضلاً عن صبيانهم ؛ ولسنا نخليك للتعليم بل نعدك لما هو أعظم منه .
فلما عزم على المسير معهم جمعوا له دنانير وأتوه بها ، فامتنع من قبولها ، وقال لم يكن مني ما يوجب ذلك ، فعظم في أنفسهم ، وزادت هيبته في صدورهم . وخرجوا به من مصر ، وساروا حتى إذا كان بسوجمار من أرض سماتة ، تلقاهم رجال من الشيعة ، فأخبروهم بخبر الشيعي ، ونظروا إلى تعظيم الكتاميين له ؛ فرغب كل واحد منهم أن يكون نزوله عنده ، حتى رموا عليه السهام ، فخرج سهم أبي عبد الله الأندلسي فنزل عنده ، ونزل كل واحد على صاحبه . وأصاب أبو عبد الله عندهم من علم الشيعة أصلاً قوياً ، فزاد في الكلام معهم ، فأجلوه .
ثم سار القوم فدخلوا حد الكتامة يوم الخميس النصف من شهر ربيع الأول سنة ثمانين ومائتين ، ومعهم أبو عبد الله الأندلسي وأبو القاسم الورفجومي ، فأراد كل واحد من الكتاميين نزول الشيعي عنده ، وتنازعوا في ذلك حتى خيروه في النزول ، فقال أي موضع عندكم فج الأخيار ؟ قالوا : عند بني سكتان فقال : فإياه نقصد ، ثم نأتي كل قوم منكم في موضعهم ، ونزورهم في بيتوهم ، ولا نجعل لأحد منكم حظاً من نفسي دون أحد إن شاء الله تعالى ، فأرضاهم كلهم بذلك ، وسار كل قوم إلى جهتهم ، وسار الشيعي مع موسى بن حريث وأبي القاسم الورفجومي وأبي عبد الله الأندلسي إلى إيكجان موضع موسى بني سكتان . قال ولما نزل عبد الله بإيجكان ومضى كل معه من الحجيج إلى مرافقهم أخبروا من قدموا عليه من أصحابهم بخير ، ووصفوه لهم مع الناس ، فتسامع الناس به ، وأقبلوا إليه من كل ناحية ؛ فكان يجلس لهم ويحدثهم بظاهر فضائل على رضي الله عنه .