كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 51 """"""
بني سكتان لأنهم يمنعونه ، ويجتمع عليهم جميلة وغيرها من قبائل كتامة ، فتفرق ذات البين ، ويكون ذلك داعية إلى أن يجعلوا له أنصاراً ، وتصير كتامة فريقين ، ولم يأمنوا سوء العواقب ، فقصدوا بنان بن صقلان ، وهو من وجوه بني سكتان ، ولم يكن له يومئذ دخل في أمر الشيعي ، وأرسلوا جماعة منهم إليه ، وبعثوا له أربعة أفراس وأغنماً وهدية ، وقالوا له : إن هذا الرجل قد بدل الدين ، وفرق الجماعة ، وشتت الكلمة ، وأدخل الاختلاف بين الأقارب وقد قصدناك في أمره ، وأملكناك في قطع هذا المكروه بأن تقبض على الشيعي وتخرجه من بلدنا ، وتنفيه عنا إن كرهت قتله ، ونجعل لك بعد ذلك بعد ذلك التقدمة على جميع كتامة والعرب ، فيكون لك شرف الدنيا وفخرها ، وثواب الآخرة وأجرها ، وتزيل عن أهل بيتك مكروهاً ، وتقطع عنهم شراً ، واخذوا معه في ذلك وحذروه عواقب السلطنة . فقال لهم بنان : هذا رجل صار بين أظهرنا ، وهو ضيف عندنا ، كيف ينبغي أن نفعل فيه مثل هذا الفعل ، فتنازعوا في ذلك طويلاً ، وكان آخر خطاب بنان لهم أن قال : الرأي أن نجمع العلماء إليهم فيناظرهم ، فإن كان على حق فما أولانا وإياكم بنصرته وأتباعه ، وإن كان على باطل عرفنا من اتبعه أن يرجعوا عنه .
فانصرفوا إلى أصحابهم وأخبروهم بما كان من بنان ، فخافوا أن تقوم حجته ، ويستحكم أمره ، فتزول رئاستهم بسببه . فاجمعوا على أن يمضوا في جماعة ويظهروا أنهم أثو بالعلماء ، فإذا خرج إليهم قتلوه ، وانصرفوا على حمية .
فاجتمعوا في عدد عظيم من الخيل والرجل ، فلما رآهم بنو سكتان ركبوا خيولهم ؛ والتقى الجمعان . فقالوا لبنان إنما أتيناك لما كان بيننا وبينك . فقال : إنما كان بيننا أن تأتوا بالعلماء ، وقد أتيتم بالزحف والعدة ، وعلا الكلام بينهم ، فالتحم القتال ، وتداعت جيملة من كل مكان ؛ فانهزم القوم ، وانصرف عنهم بنو سكتان ، وكان الشيعي قد سير في مبادئ هذا الأمر ، وخاف عليه أصحابه .
ثم أرسل الجماعة بناناً مرة ثانية ، وقالوا : قد كنا أخطأنا فيما أتينا به من الجمع ، ولم يكن ذلك عن قصد ، ولكن تسامع الناس بنا فتبعونا . وقد رجوناك لإصلاح جماعتنا ، وقدمناك ، واخترناك لأنفسنا ، لتحقن دماءنا ، وتجمع ما تبدد من شملنا ، فقد عادى من أجل هذا الرجل من أهل المشرق ، وهم كما علمت شياطين ، وعلماؤنا

الصفحة 51