كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
العواقب ، ويقدموه على أنفسهم ، ويعظموه ، ويرفعوا من شأنه ، ففعلوا ذلك ؛ ووافاه أخوه الحسن وجماعة عصمان ، وقالوا : نحن أهل بيتك وعشيرتك وأنت أميرنا ومقدمنا ، وهذا الرجل ضيفك وضيفنا ، وقد رأيت ما لحق ببني سكتان من النقص بإخراجه ، وأنهم ندموا عليه ، وأن بناناً حاول رده إليه ليصلح ما أفسده على نفسه فلم يجبه إلى ذلك . فلا تجعل علينا عاراً ولا نقصاً . وحلفوا له وقدموه على أنفسهم فمال إليهم .
فلما علم محمود أن أولئك القوم قربوا من تازرارت ركب في جماعة واركب الشيعي أصحابه معه وقال لهم : إن قدرتم أن تلحموا الحرب فافعلوا . فلما التقوا قالوا لمحمود : هؤلاء العلماء قد جئنا بهم ، وعزلوهم ناحية ، فقال لهم محمود : انصرفوا ودعوهم عندنا حتى نجمع بينهم وبين الرجل ، مع عشرة رجال من وجوهكم وخياركم ، في مجلس ، فننظر ما يكون بينهم ، فانحل ما عقدوه ، فقالوا : وما عليكم أن تخرجوه إلى ها هنا ونشهد ما يكون منه ومن العلماء ، فيكون ذلك أشهر وأقطع للأمر : فقال محمود : قد بلغنا عنكم أنكم عقدتم أمراً وطمعتم أن تنزعوا ضيفنا من أيدينا بالتغلب .
فردوا عليهم . فحمل عليهم هو وأصحابه ، والتحم القتال ، وقاتل محمود قتالاً شديداً فجرح ، ثم افترقوا ، فمات محمود من جراحه ، فسر أخوه والشيعي بموته ، واظهروا الطلب بدمه ، واجتمعت عصمان ألباً واحداً وصحت الرئاسة للحسن بن هارون وولاه الشيعي أعنة الخيل ، وقوده وعوده على جميع أصحابه .
واشتعلت الحرب بين عصمان ولهيصة بسبب قتل محمود . واجتمع أمراء بلزمة وأكثر القبائل للشيعي وأظهر نفسه ، وكان يشهد الحرب ويباشرها .
وطالت الحرب بينهم ، ثم اصطلحت لهيصة وعصمان بعد أن قتل مهدي ، وانضموا كلهم إلى الشيعي ، واشتد أمره ، وحاربوا من بينهم من القبائل ، وشنوا الغارات على من بعد منهم ، وبعث الشيعي خيلاً مغيرة إلى مزاتة ورئيس مزاته يومئذ يوسف القنطاسي ، وكان قدم على إبراهيم بن أحمد فوصله وحياه ، وكساه ، وأعطاه جارية ، فكبسته خيل الشيعي ، وأخذوا جميع ما كان له ، وسبوا الجارية ، وقتلوا من قدروا عليه من أصحابه ، واختفى هو فنجا ، ووصلوا إلى الشيعي بالغنيمة فاصطفى الجارية لنفسه وهي أم ولده .
فلما رأت القبائل ظهور الشيعي واجتماع لهيصة له ، وقتل مهدي ، مشى بعضهم إلى بعض ، وأرسلوا مزاته ، فاجتمع رأيهم على أن يدخلوا إليه بعيالاتهم ويحيطوا به من كل جانب ، فتسلمه عصمان ولهيصة ومن معهم ويستأصلوهم ، فانتهى الأمر إلى

الصفحة 54