كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 55 """"""
الشيعي ، فجمع أصحابه كلهم بتازرارت ، وجاءت كتامة من أطرافها وأحاطوا به . فخندق على نفسه ، أشار عليه وجوه أصحابه أن يعتزل الحرب وهم يقاتلون . فشكرهم على ذلك ، وأبى أن يقبله ، ووعدهم بالنصر ، وحثهم على القتال ، فأخرج كل واحد ما عنده من مال وسلاح وكراع ، وتشاورا فيه ، وكملوا عدتهم وعدتهم ، فبلغوا سبعمائة فارس ، لا يزيدون ولا ينقصون ، وألفي رجل ، والتقوا بعد مراسلة لم تجد شيئاً واقتتلوا قتالاً شديداً ، ودام القتال بينهم ثلاثة أيام ، ودام في اليوم الثالث إلى العصر ، وكان الظفر لأصحاب الشيعي . وانهزم أولئك ، وتبعوهم وقد امتلأت أيدي أصحابه من الغنائم والأموال ، وتفرق ذلك الجمع ، قال : فبيع الجمال كل عشرة بدينار 29 والحمار بعشر صلات ، وغنموا من الخيل ما لا يحصى .
وانصرف الشيعي إلى تازرارت وابتنى بها قصراً يسكنه ، واتخذها دار مقامه ؛ وأقطع أصحابه دوراً حول قصره ، وارتحل إليه أصحابه من كل ناحية ، وابتنوا وسكنوا ، وقوي أمرهم ، واستأمن إليه كثير من القبائل ؛ وشن الغارات ، ودوام الحرب ، فأقبل الناس إليه من كل جهة . ولحق فتح بن يحيى بإفريقية فقدم على أبي العباس بن إبراهيم ابن أحمد ، وهو يومئذ بتونس بعد خروج أبيه إبراهيم إلى صقلية ، فوصله وأدناه ، وأكرمه ، وسأله عن الشيعي ، فضعف أمره ، فقال : أليس قد اجتمعتم عليه في عساكر عظيمة فلم تقدروا عليه ، فقال : ليس أمرنا من أمرك في شيء ، إنما نحن مقاتلة بغير رأس ، ونقاتل من يعرفنا من أهل بلدنا ، ولو جاءه عسكر من قبلك لكانت هيبته في صدور الناس . فأطعمه أبو العباس ، ثم أمسك عنه .
قال : واستولى الشيعي عل جميع بلد كتامة ، وظهرت دعاته في كل ناحية منها ، وغلب عليها ؛ وكانت وقائع كثيرة ببلد كتامة .
وأقام بعد انهزام الجمع نحو سنتين وهو يشن الغارات ، ويغنم الأموال ، حتى أجابوه ، وسلموا الأمر إليه . ولم يبق إلا المدينة الحصينة ومن فيها من أمرائها ومن انضم إليها من القبائل .

الصفحة 55