كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
إنما أنا رجل تاجر ، ولست أعلم شيئاً مما تقول ، وأنت غني عن تقلد إثمي ، فما زال يلاطفه يومه وليلته حتى أطلقه وقال : امض إلى سبيلك وأنا أبعث معك خيلاً تشيعك . فشكره وقال : أنا استغني بنفسي ومن معي ، وانصرف . فرجع أصحاب النوشري عليه بالملامة ، وقالوا له : ماذا صنعته بنفسك ؟ عمدت إلى بغية أمير المؤمنين وطلبته فاطلقته ، فندم على إطلاقه وهم أن يبعث إليه خيلاً ترده .
فلما سار عبيد الله أميالاً افتقد أبو القاسم كلبة صيد كانت له ، فبكى عليها فعرفه عبيده أنهم تركوها بالبستان ؛ فرجع عبيد الله في طلبها ، فرآهم النوشري ، فقال : من هؤلاء ؟ فقال بعض أصحابه الرجل قد رجع . فبعث غلمانه فسألوا أصحاب عبيد الله عن سبب رجوعه ، فقالوا افتقد ولد سيدنا كلبة ، وهو عزيز على أبيه ، فعاد معه في طلبها بعد أن قطع أميالاً كثيرة ، فقال النوشري لأصحابه : قبحكم الله أردتم أن تحملوني على رجل حاله مثل هذه الحال أعتقله بشبهة ، لو كان مرتاباً لطوي المراحل ما عاد إلينا من مسافة بعيدة في طلب كلبة صيد . ورجع النوشري من وقته إلى مصر ؛ وعاد المهدي لحق برفقته . فلما انتهى إلى مدينة طرابلس ، فارق من كان معه من التجار ، وقدم أبا العباس محمد بن أحمد بن محمد بن ذكريا ، أخا أبي عبد الله الشيعي إلى القيروان ببعض ما كان معه ، وأمره أن يلحق بكتامة . فلما وصل أبو العباس إلى القيروان وجد الكتب قد سبقت إلى زيادة الله في أمر عبيد الله فأحضر الرفقة وسألهم عنه ، فأخبروه أنه تخلف بطرابلس وذكروا أن أبا العباس من أصحابه ؛ فأخذ وقرر ، فأنكر ، فحبس .
واتصل الخبر بعبيد الله بطرابلس فصادف رفقة خارجة إلى قصطيلية ، فخرج معهم ، واتى كتاب زيادة الله إلى طرابلس بصفته وطلبه ، فكتب إليه عاملها أنه خرج من عمله ، وسار عبيد الله حتى وصل إلى قصطيلية ، ثم منها إلى سجلماسة ، وصاحب سجلماسة يومئذ أليسع بن مدرار ، فهاداه عبيد الله ، فأكرمه أليسع وعظمه ، فلم يزل على كذلك إلى أن أتاه كتاب زيادة الله يخبره أنه هو الذي يدعو إليه الشيعي ، فتغير أليسع عند ذلك عليه إلا انه لم يكن منه في حقه ما يكره .
ثم كان من تغلب الشيعي ما قدمناه ، وعلم بمكان عبيد الله ، وكان يكاتبه في السر ، فلما هزم الشيعي جيش إبراهيم بن حنبش كتب إلى عبيد الله يخبره بالفتح ، فأرسل إليه مالاً مع رجال من قبيلة من كتامة ، وكان ذلك أول فتح ورد على عبيد الله ،