كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 64 """"""
فسر به ، ثم استولى الشيعي على ما ذكرناه ، وهرب منه زيادة الله ، وملك رقادة والقيروان ، وسار إلى سجلماسة فلما انتهى خبره إلى أليسع بن مدرار وقرب من سجلماسة سأله فحلف أنه ما اجتمع بالشيعي ولا رآه قط ولا عرفه ، وقال : إنما أنا رجل تاجر فاغلظ له بالقول فلم يغير كلامه الأول ولم يخرج عنه ، فجعله في دار وجعل عليه حرساً ، وجعل ابنه أبا القاسم في دار أخرى ، وفرق بينهما . واختبر كل واحد منهما فلم يجد خلافاً ، وامتحن رجالاً كانوا معهما بالعذاب ليقروا فلم يعترفوا بشيء .
واتصل الخبر بالشيعي فعظم عليه ، وأرسل إلى أليسع بن مدرار يؤمنه جانبه ويذكر أنه إنما قصد سجلماسة لحاجة ويعده الجميل والبر والإكرام ، وأكد له ذلك وبالغ فيه فلما وصلت رسل اليسع رمى بالكتب وقتل الرسل ، واتصل ذلك بالشيعي فعاوده ولاطفه ، كل ذلك خوفاً منه أن يكون منه في حق عبيد الله ما يكره ؛ فقتل الرسل أيضاً فلما رأى الشيعي إصراره عبأ عساكره ودنا من المدينة فخرج إليه أليسع بمن معه ، فناوشهم القتال ، فقتل من أصحابه جماعة وكان ذلك في آخر النهار ، فحجز بينهما الليل .
فلما جن الليل هرب أليسع بن مدرار مع أهل بيته وبات الشيعي ومن معه في غم عظيم تلك الليلة ، لا يعلم ما صنع بعبيد الله وابنه ، ولم يمكنه دخول المدينة ، وما علم بهرب أليسع حتى أصبح ، فخرج إلى الشيعي وجوه أهل المدينة فأخبروه بهرب أليسع ، فدخل إلى المكان الذي فيه عبيد الله فأخرجه وأخرج ولده أبا القاسم ، وقرب لهما فرسين وحفت بهما العساكر ، وسار الشيعي والدعاة بين يدي عبيد الله وهو يقول : هذا مولاي ومولاكم ؛ حتى انتهى عبيد الله إلى فسطاط ضرب له ، فدخله ، وهو إذ ذاك شاب لي ينبذه الشيب ، وابنه حرطر شاربه .
هذا ما حكاه إبراهيم بين الرقيق في تاريخه .
وقال غيره إن أليسع بن مدرار لما أراد الخروج من سجلماسة أحضر الشخص الذي اعتقله وقتله قبل هروبه ، وأن الشيعي لما دخل وعلم بقتل عبيد الله خاف من كتامة لأنه كان يعدهم بخروج المهدي وملكه الأرض على زعمه ، وخشي أن يفتضح فيهلك ويزول ما حصل في يده ، فأخرج لهم رجلاً يهودياً كان يخدم الشخص المقتول ، وقال هذا إمامكم وإمام الإسماعيلية ، وأركبه ومشى في ركابه وانسلخ له من الأمر ، وهذا فيه بعد ، وأراه من التغالي في نفيهم عن النسب ، والذي حكاه ابن الرقيق أشبه . فلنرجع إلى ما حكاه إبراهيم بن الرقيق .

الصفحة 64