كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
ذكر أخبار أبي عبيد الله الشيعي وأخيه أبي العباس وما كان من أمرهما بعد قيام عبيد الله المهدي إلى أن قتلهما
قال : لما استقامت الأمور لعبيد الله المهدي داخل أبا العباس محمداً أخا الشيعي فساد دينه .
وسبب ذلك أن أخاه أبا عبد الله كان يعظمه ويقبل يده 34 كما قدمناه ، وكان لأبي عبد الله من الرئاسة ونفوذ الكلمة والغلبة على الأمر كله ما ذكرناه ، فلما صار الأمر لعبيد الله المهدي زالت تلك الرئاسة عن أبي عبد الله وأخيه ، فداخله الحسد ، فجعل يزري على عبيد الله عند أخيه وأبو عبد الله ينكر ذلك على أخيه ، وأبو العباس لا يرعوي ، ويؤكد أسباب النفاق ، ثم قال أبو العباس لأخيه : لقد ملكت أمراً عظيماً وأنطاع لك الناس ، فجئت بمن أزالك عنه وأخرجك منه ، وكان الواجب عليه ألا يهتضمك هذا الإهتضام . ولم يزل يغريه بمثل ذلك إلى أن أثر ذلك فيه ، وحمله على مشافهة عبيد الله المهدي ببغضه ، وأشار عليه بتفويض الأمور إليه والانقطاع عن قصره والاحتجاب عن الناس ، وقال هذا أهيب لك وأشد لأمرك . فرد عليه في ذلك رداً لطيفاً . وكان المهدي قد بلغ ما هو عليه ، فحققه ولم يره أنه أطلع على شيء من ذلك . وعمد أبو العباس إلى الدعاة ، وكانوا يعظمونه لما يرون من تعظيم أخيه أبي عبيد الله له ، بجعل يرمز لهم ، ثم صرح ، وطعن في عبيد الله ، وأدخل فيه الشبهة ، وكل ذلك يبلغ عبيد الله فيعرض عنه ويغضي عليه ، هذا والشيعي في ذلك مدار لم يبلغ حد النفاق إلى أن فشا أن حال أبي العباس قد أنهيت إلى عبيد الله .
ومازال أبو العباس يتخيل إلى أن قال للدعاة إن الإمام هو الذي يأتي بالآيات والمعجزات ويختم خاتمة البلاط ، فأما هذا فقد شككنا فيه ، فعند ذلك أرسل هارون بن يونس أحد المشايخ إلى عبيد الله يقول : قد شككنا في أمرك فأتنا بآية إن كنت المهدي كما قلت . فتعاظم ذلك وقال : ويحكم أنكم قد أيقنتم والشك لا يزيل اليقين ، فأبيتم إلا إصراراً ثم أمر من قتله . فلما علم أبو العباس والقوم الذي استزلهم بقتله جعلوا ذلك سبباً لمباينة عبيد الله واجمعوا على النقض والإبرام في دار