كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
أبي زاكي ابن معارك ، وعزموا على الفتك بعبيد الله . واجتمع كتامة إلا قليلاً منهم ؛ وكان غزوية بن يوسف يأتي بأخبارهم لعبيد الله ، فجمع عبيد الله إليه من سلم من النفاق والعبيد واستعد لهم ، على كثرتهم وقلة المبايعين له ، فجمعوا له الجموع وأحاطوا بقصره ليوقعوا به ، وهو في ذلك جالس منتصب غير مكترث ؛ فقذف الله في قلوبهم الرعب على كثرتهم وقلة من معه ، حتى كانوا يعبرون وقد عزموا على الفتك به ، فإذا قابلوه ملأت الهيبة قلوبهم فإذا انصرفوا ندموا على تركه : " ليقضي الله أمراً كان مفعولاً " . فنظر عبيد الله في بعض الأيام إلى أبي عبيد الله الشيعي وقد لبس ثوبه مقلوباً ، ودخل عليه ثلاثة أيام وهو على تلك الحال ، فقال له في اليوم الثالث : يا أبا عبد الله ؛ ما هذا الأمر الذي شغلك وأذهلك عن أمر نفسك ؟ فقال : وما هو يا مولاي ؟ قال : إن ثوبك مقلوب عليك منذ ثلاثة أيام ما اهتديت له ، وما أحسبك نزعته . فنظر إليه وقال : والله يا مولاي ما اهتديت له ، فقال : إن هذا لشغل عظيم ؛ فأين تبيت منذ كذا من الليالي ؟ فسكت فقال : ألست تبيت في دار أبي زاكي ؟ قال له : بلى . قال : وما أخرجك من دارك التي أنزلتك بها ؟ قال : يا مولاي خفت . قال : وما يخاف المرء إلا من عدوه ، والمؤمن لا يخاف وليه . فسكت أبو عبد الله وأيقن أن عورته قد بدت لعبيد الله ، وحجبت حجته عليه ، وحل له قتله ، فانصرف وأعلم القوم بما جرى بينهما ، فأمسكوا عن الدخول إلى عبيد الله وخافوا على أنفسهم منه . ثم جاءوه بعد ذلك وأظهروا له البراءة مما قيل فيهم ، واعتذروا ؛ فرد عليهم رداً جميلاً ، وأخرج جماعة منهم إلى البلدان ، فتفرقت جماعتهم . وأخرج فيمن أخرج أبا زاكي بن معارك إلى طرابلس ، وكان غزوية ين يوسف والياً عليها ، فلما وصل إليه كتب إليه عبيد الله ، فقتله وبعث برأسه إليه . وقتل جماعة منهم كذلك في البلدان بصنوف من القتل .
وخرج أبو عبد الله في بعض الأيام هو وأخوه العباس يريدان قصر عبيد الله على العادة ، فحمل غزوية بن يوسف على أبي عبد الله ، وحمل خير بن