كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
ذكر بيعة المنصور بنصر الله
هو أبو الظاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله بن عبيد الله المهدي ، وهو الثالث من ملوكهم . بايع له أبوه القائم بأمر الله في حياته ، وولاه حرب أبي زيد ؛ وهلك أبوه القائم بأمر الله ، فأخفى إسماعيل موته ، وناصب أبا زيد حتى رجع إلى المهدية ، وتوجه أبو زيد إلى سوسة فحاصرها ، فأدركه المنصور إسماعيل فطرده عنها ؛ ووالي عليه الهزائم إلى أن أسره في يوم الأحد لخمس بقين من المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ؛ فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به ، فأمر المنصور بسلخه ، وحشى جلده قطنا وصلبه ، وبنى مدينته المسماة بالمنصورية في موضع الوقعة ، واستوطنها في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة .
وكان المنصور شجاعاً بليغاً يرتجل الخطب . حكى المروروذي قال : خرجت مع المنصور يوم هزم أبو زيد ، فسايرته وبيده رمحان فسقط أحدهما مراراً وأنا أمسحه وأناوله إياه وتفاءلت له بذلك ، فأنشدت :
فألقت عصاها واستقر بها النوى . . . كما قر عيناً بالإياب المسافر
فقال : ألا قلت ما هو خير من هذا وأصدق : " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين "
ذكر وفاته المنصور بنصر الله وشيء من أخباره
كان وفاته في يوم الجمعة آخر شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة . وكان سبب وفاته أنه خرج في شهر رمضان من السنة إلى جلولاء ومعه جاريته قضيب ، وكان يحبها ، فجاء مطر عظيم وريح شديدة بجلولاء واشتد البرد بها ؛ فخرج منها على فرس وقضيب في غمازية وهو يريد المنصورية ، ودام عليه المطر والبرد .