كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
هو أبو المنصور أفتكين المعزي ، أحد مماليك معز الدولة بن بويه ، وكان سبب وصوله إلى الشام أنه لما وقعت الفتنة بين الترك والديلم ببغداد وخلع المطيع كما ذكرناه ، وتوالت تلك الفتن ، انفصل أفتكين عن بغداد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة في ثلاثمائة غلام ، وسار حتى قدم حمص فأقام أياماً يسيرة ، وسار منها إلى دمشق ، فوجد أحداث البلد قد تحكموا فيها والفتن بين أهلها وبين عساكر المغاربة ، فخرج إليه شيوخ دمشق وأظهروا السرور به ، وسألوه أن يتولى عليهم ، ويكف أيدي المفسدين ، وتوثقوا منه وتوثق منهم بالإيمان ، ودخل البلد وأصلح أمره ، وأحسن السيرة ، وكف المفسدين ، فاستقام له الأمر وثبت قدمه ، فاضطر إلى مكاتبة المعز لدين الله بمصر فكاتبه وخادعه ، وغالظه ، وأظهر الانقياد له والطاعة لأمره ، فأجابه المعز يستدعيه إلى حضرته ليشاهده ، ويصطفيه لنفسه ، ويعيده إلى ولايته ؛ فلم يثق إلى ذلك وامتنع من الإجابة ، ووافق ذلك علة المعز ووفاته . وكتب أفتكين في أثناء القضية إلى مولاه ببغداد يقول إن الشام قد صفا في يدي ، فإن سيرت لي عسكراً مالاً وسلاحاً فتحت ديار مصر ، فبعث إليه الجواب : غرك عزك فصار قصار ذلك ذُلّك فاخش فاحش فعلك ، فعلّك تهدأ بهذا ، فلما يأس أفتكين من إنفاذ العساكر إليه من بغداد اضطر عند ذلك إلى مكاتبة القرامطة ، فقصدوه ووافوه في سنة خمس وستين وثلاثمائة ؛ وكان الذي أتاه منهم إسحاق ، وكسرى ، وجعفر ، فنزلوا بظاهر دمشق ، ووافاه معهم كثير من العجم ، فأكرمهم أفتكين وحمل إليهم الميرة ، فأقاموا أياماً وتوجهوا إلى الرملة ، فخرجت إليهم عساكر الساحل ، واقتتلوا ، فهزمهم أفتكين ، وقتل منهم مقتلة عظيمة .
وكان على الساحل مظلوم بن موهوب العقيلي ، فانهزم إلى صور ، وأحصي القتلى فجاءوا أربعة آلاف فارس ، فكاتب العزيز بن المعز أفتكين واستماله ووعده إن وطئ بساطة أن يرفع منزلته . فأبى إلا مخالفته ، وأغلظ له في الجواب . فاستشار العزيز وزيره يعقوب بن كلس فيما يفعله فأشار عليه بإخراج 47 جوهر القائد إليه ؛ فشرع العزيز في ذلك وجهز جوهراً ، فلما سمع أفتكين ذلك عاد