كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 28)

"""""" صفحة رقم 97 """"""
إلى دمشق واستشار أهلها ، وقصد التوجه لبلاد الروم ؛ وكان أهل دمشق يكرهون المغاربة لمخالفتهم لهم بالاعتقاد ، فطمأنوه ، وثبتوا للقاء عساكر مصر . وخرج جوهر في العساكر العظيمة بعد أن استصحب أماناً من العزيز لأفتكين .
فلما وصل جوهر إلى الرملة كاتب أفتكين ولاطفه ، وعرفه ما معه له من الأمان ، فلاطفه أيضاً أفتكين في الجواب واعتذر إليه بأهل دمشق ، فعلم جوهر أنه لا بد من الحرب ، فسار إليه ونزل بالشماسية فبرز إليه أفتكين ؛ ونشبت الحرب بين الفريقين مدة شهرين ، وقتل من الطائفتين عدد كثير وظهر من شجاعة أفتكين ما عظم قدره في النفوس ، فأشار عليه أهل دمشق بمكاتبة أبي محمد الحسن بن محمد القرمطي واستدعائه لدفع عساكر مصر ، فكاتبه فأتاه القرمطي ، فعلم جوهر أنه إن أقام استظهر أفتكين عليه ، فرجع إلى طبرية وتبعه أفتكين والقرمطي فقاتلاه ، فانهزم إلى عسقلان فتبعه أفتكين وحصره بها حتى أشرف جوهر على الهلاك ، فصالحه ، ووقع الصلح بينهما على أن يخرج جوهر وأصحابه حفاة عراة لا شيء يستر عورتهم .
وكان العزيز قد خرج من الديار المصرية لإغاثة جوهر ، فلقيه في الطريق على تلك الحال ، فأخبره جوهر أن كتامة خذلوه فقبض عليهم ، ثم أظهر الغضب على جوهر وعزله عن الوزارة .
ذكر حرب أفتيكن وأسره
وفي سنة ثمان وستين ثلاثمائة ، في المحرم منها ، وصل العزيز بالله إلى الرملة وأفتكين وعسكره بالطواحين ، ووقع المصاف بينهما ، ونشبت الحرب في يوم الخميس سابع الشهر ، فانهزم أصحاب أفتكين وقتل عامتهم وشوهد العزيز في هذا اليوم وقد انفرد عن عسكره وصلى على الأرض وهو يقول اللهم ارحمني وارحم من ورائي من هذت القبلة ، وانصرني ، فما استمد النصر إلا منك ، وهو يعفر وجهه على التراب ويبكي ، ثم ركب وقد انتصر عسكره ، وجيء بأفتكين أسيراً ، أسره مفرج بن دغفل ابن الجراح الطائي أمير طيء ، فجاء به وفي عنقه حبل ، فاحسن إليه العزيز لما رأى من شجاعته ، ومنّ عليه ، ورجع به إلى مصر ، فأقام بها إلى أن مات في سنة سبعين وثلاثمائة ، والحجاب والأكابر يركبون إلى داره .

الصفحة 97