كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 10 """"""
ولما استقر الملك الناصر في الملك ، علت منزلته عنده ، واختص به وقرب منه ، وتمكن في دولته . قال : ومن سعادة الفاضل أنه مات قبل ملك العادل ، لأنه كان بينهما شحناء باطنة . ولما مات ، صلى عليه الملك الأفضل . ودفن بسفح المقطم - رحمه الله . وقد ذكرنا من كلامه في باب كتابة الإنشاء ما يدل على تمكنه وفضله .
واستهلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة ذكر الخلف الواقع بين الأمراء الصلاحية والسلطان الملك العادل
قال المؤرخ : كان ابتداء فساد الحال بينهم في سنة سبع وتسعين وخمسمائة .
وسبب ذلك أن الملك العادل لما ملك الديار المصرية أقطع الإقطاعات المحلولة عن الأمراء المنصرفين عن الخدمة ، وحاسب المستمرين حساباً شديداً ، فساءت ظنونهم وتغيرت قلوبهم ، وفسدت نياتهم .
وكان فارس الدين ميمون القصري مقيماً بنابلس ، فلما بلغه إسقاط خطبة الملك المنصور بن العزيز ، واستقلال الملك العادل بالملك - عظم ذلك عليه ونفر منه ، وأنكره . وكتب إلى الملك العادل يقول : إنا إنما دخلنا في طاعتك ، ونصرناك على موالينا : أولاد الملك الناصر ، مراعاةً للملك العزيز ، وخوفاً أن يتطرق إلى ولده ضرر ويزول عنه ملكه ، ولا بد أنه تعيده إلى حاله . وإن لم ترجع عما فعلت ، كان ذلك سبب فساد قلوب الجند ، ودخول الوهن على الدولة . فغالطه العادل في الجواب .
فراسله ميمون ثانياً يقول إنا كنا حلفنا على قاعدة ، فإن كانت تغيرت فلا يسعنا المقام بعد ذلك بهذه الدار ، وأنا أسال أن أعطى دستوراً ليقوم عند الله وعند الناس عذرى ، فأرسل إليه الملك العادل ، يقول : لم أدخل في هذا الأمر إلا بعد أن رضي به الجماعة . فإن كرهت مجاورتي فصر إلى أرزن الروم ، وتزوج بصاحبتها ماما خاتون ، فإنها أرسلت إلي وطلبت مني من أنفذه إليها .
وكان ميمون قد كاتب الأمراء الصلاحية ، فأجابوه : إنا قد افتضحنا بين الناس بأننا نقيم في كل يوم ملكاً ، ونعزل آخر . ثم إلى من نسلم هذا الأمر ؟ أما الملك الأفضل

الصفحة 10