كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
الصالح إلى قاضي القضاة شرف الدين بن عين الدولة كتاباً ، من جملته : أن القاهرة المحروسة لما كانت دار المملكة ، وأمراء الدولة وأجنادها مقيمون بها ، وحاكمها مختص بحضور دار العدل - تقدمنا أن يتوفر القاضي على القاهرة وعملها ، لا غير . وفوض السلطان قضاء القضاة ، بمصر والوجه القبلي ، للقاضي بدر الدين أبي المحاسن : يوسف السنجاري قاضي سنجار . ثم مرض القاضي شرف الدين المذكور ، إثر ذلك ، ومات في هذه السنة .
ذكر وفاة قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة ، وشيء من أخباره
وفي ليلة الخميس ، التاسع عشر من ذي القعدة ، سنة تسع وثلاثين وستمائة - كانت وفاة قاضي القضاة شرف الدين أبو المكارم : محمد بن عبد الله ابن الحسن بن علي ، بن عين الدولة : أبي القاسم صدقة بن حفص الصفراوي الإسكندراني .
وكان قد ولي القضاء في أيام السلطان الملك العادل : سيف الدين - جد السلطان - كما تقدم ، واستمر بعده .
ولما مات - رحمه الله - صلى عليه بمصلى بني أمية ، وشهد جنازته خلقٌ كثير ، ودفن بعد صلاة الظهر بالقرافة ، وأم الناس عليه ولده محيي الدين : أبو الصلاح عبد الله . ومولده - رحمه الله تعالى - بثغر الإسكندرية في يوم السبت ، مستهل جمادى الآخرة ، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة . وكانت مدة عمره ثمانيا وثمانين سنة ، وخمسة أشهر وثمانية عشر يوماً . ومدة ولاية القضاء - استقلالاً - ستا وعشرين سنة ، وتسعة أشهر ، وسبعة عشر يوماً . وناب عن القضاء قبل ذلك ثمانيا وعشرين سنة . وشهرين وأياما . وكان رحمه الله تعالى - ذا رياسة قديمة ، ووالده وجده من كبراء أهل الثغر . وجد أبيه - القاضي الجليل - من رؤسائه . وبلغ من محله في الدولة العبيدية أن لقب بعين الدولة ، ولقب ولده بثقة الدولة ، وولده ولده بعين الدولة . فسأل تخصيصاً مانعاً ، لاشتباه الولد بالجد ، فميز الولد بعين الدولة ومكينها ، ووالده بثقة الدولة وأمينها - بتقليد من الخلفاء العبيديين . وعمر القاضي الجليل مائة سنة وأربع سنين . ومات عن عدة أولاد ذكور ، ما منهم إلا من عدل بالديار المصرية ، وتولى الأحكام الشرعية .
وكان القاضي شرف الدين - رحمه الله تعالى - مالكي المذهب ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي وسبب ذلك أنه قدم من ثغر الإسكندرية إلى مصر وسكن بها ، في شهر ربيع