كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)

"""""" صفحة رقم 189 """"""
وردت مكاتبة الحضرة - أيدها الله بتوفيقه في جميع حالاتها ، ولا أخلى من صالح دعواتها في شريف أوقاتها ، وأجراها من السداد والتحرز على مختار دعواتها في شريف أوقاتها ، وأجراها من السداد والتحرز على مختار عاداتها - ووقفنا عليها جميعاً ، وأحاطت علومنا بما أشارت إليه ، وما نبهت فيها عليه .
فأما إشاراتها إلى صرف قاضي الفيوم والاستبدال به بخطيب البلد وصرف قاضي قوص ، وتعريضها بأنها لا يجوز لها إعادته . وعزمها على صرف قاضي إخميم ، وما عرضت به من انتمائه إلى كريم الدين الخلاطي . وإصرارها على صرف قاضي منية زفتي ، وتصريحها بأنه ذاكرٌ أنا نعرفه ، وقد خلعنا عليه - فجوابنا عن جميع ذلك : أنا قلدناها هذا الأمر العظيم ، وذممناها هذا الخطب الجسيم ، ونهجنا بها السلوك في طريقه المستقيم ، وفوضنا ذلك إليها ، وجعلنا أزمة نقضه وإبرامه بيديها ، وصيرنا ركائب آمال طالبي التولية مناخةً لديها - نرجو بذلك براءة الذمة عند الله تعالى ، وأن لا تقوم الحجة علينا ولا عليها .
فمن استصلحته ورضيته من النواب ، فلتقره على حاله . ومن ظهر لها اعوجاجه وسخطته ، فلتصرفه ، ولا تعرج على أساطير أقواله . فالإرهابات والتمويهات لا مدخل لها في أمور الدين ، والشرع الشريف منزهٌ عن شفاعة الشافعين . فلتعلم الحضرة ذلك ، ولتواصل بالمتجددات ، موفقةً في ذلك - إن شاء الله تعالى . سطرت لأحدى عشرة ليلةً بقيت من ذي الحجة ، سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، بظاهر السويدا - مشافهةً .
هذا كان الرسم في المكاتبات والأجوبة . وفيه دليلٌ على أن قاضي القضاة بالديار المصرية ، في ذلك الوقت ، كان لا يستقل بعزل نائب من نوابه بالأعمال - وإن صغرت جهة ولايته - إلا بعد مراجعة السلطان ، واستئذانه . وما زال الأمر جارياً على ذلك ، إلى أن ملك السلطان الملك الصالح نجم الدين ، فغلظ حجابه ، وتعذر خطابه وجوابه ، وتعاظم أن يشاور في الجزئيات ، وأن يشافه إلا في الأمور المعضلات . فاستقل حينئذٍ القضاة وغيرهم ، واستبدوا بالولايات والعزل .
ولنرجع إلى أحوال قاضي القضاة : شرف الدين ، وسيرته .
وكان - رحمه الله تعالى - جواداً كريماً ، زاهداً لا يدخر شيئاً : ولا يملك إلا سجادةً خضراء من الصوف ، وسجادةً من أدمٍ ومشطا وسبحه ، ومقراضاً ، وعوداً من أراك . وليس له إلا بدلةٌ واحدة ، فإذا تغيرت ، غسلت له ليلاً . وبغلة واحدة . فإذا كان زمن الربيع ، استأجر بغلةً في كل يوم بثلاثة دراهم ، ويقوم بعلفها من عنده . ما ملك عقارا ،

الصفحة 189