كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 29)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
ولا وجبت عليه زكاةٌ في عمره .
وكان مضبوط المجلس ، لا يسار أحداً في مجلسه ولا يضحك فيه . وكان كثير العبادة ، يسرد الصوم ، ولا يفطر إلا الأيام التي لا يجوز صومها ، كثير التلاوة للقرآن ، والذكر والأدعية . وكان . لا يكلف أحدا قضاء حاجة ، إلا ويعطيه فوق أجرته . حتى كان يدفع ملء إبريقٍ ماءً حاراً في الشتاء من الحمام ، عند كل صلاة ، نصف درهم للحمامي ، وربع درهم لحامل ذلك إليه . وكان يدفع لباري أقلامه أجرة ، من درهمين إلى ثلاثة .
وكان له شعرٌ حسن ، قد وقفت منه على قصائد ، يمدح بها السلطان الملك الكامل - تركنا إيرادها إختصاراً . فمن شعره ، بديهةً :
وليت القضاء ، وليت القضا . . . ء لم يك شيئاً تولّيته
وقد قادني للقضاء القضا . . . وما كنت قدماً تمنّيته
وكان حسن النثر . وكانت علامته : الحمد لله متولي السرائر . ويكتب تحت خط الشهود : أقام شهادته عندي بذلك ، وشخص المذكور . والله على كل شيء شهيدٌ . وأخباره - رحمه الله تعالى - وأوصافه الحسنة كثيرة ، وقد أتينا منها بما فيه الكفاية .
ولما مات قاضي القضاة شرف الدين في التاريخ المذكور ، خرج الأمر السلطاني بالإذن للعقاد والنواب عنه بالقاهرة - في يوم الأحد الثاني والعشرين من ذي القعدة من السنة - بالإستمرار ، إلى أن يقع الإختيار على قاضٍ ، ولم يؤذن لنائبه : القاضي محيي الدين عثمان بن يوسف القليوبي - بشيء - وهو الذي كان خليفة القاضي شرف الدين بن عين الدولة في الحكم - إلى أن مات . واستمر ذلك إلى يوم الأربعاء ، الخامس والعشرين من الشهر . ففوض السلطان قضاء القاهرة والوجه البحري لقاضي القضاة : بدر الدين السنجاري - وصرف عن الحكم بمصر والوجه القبلي . وكان قد استناب بمصر ابن عمه : القاضي شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن خلكان ، وفوض إليه عقود الأنكحة وقضاء الجيزة ، واستناب شمس الدين عنه في قضاء الجيزة أخاه : بهاء الدين محمد بن محمد . فلما ولي القاضي بدر الدين القاهرة ، استناب القاضي شمس الدين - المذكور - بها . فجلس في يوم الخميس - السادس والشعرين من ذي القعدة - بجامع